أن تذوب عشقا - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أن تذوب عشقا

نشر فى : الإثنين 10 سبتمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 10 سبتمبر 2012 - 8:30 ص

رغم حبى لكل قصص الحب الرومانسية والأغانى العاطفية الحديثة والقديمة إلا أنه يؤرقنى جدا محاولتى منطقة الأمور ورؤية خط التماس ما بين العلم والموروث الرومانسى العظيم.

 

كثيرة هى الأغانى التى تتحدث عن الذوبان فى العشق، تجعلنا نصدر آهات حقيقية سواء كنا فى علاقة حب أو فى انتظارها.

 

لكننى منشغلة جدا هذه الأيام بمعنى «أن تذوب عشقا» من المنظور النفسى، وأحاول الإجابة عن تساؤل حول حدود هذا الذوبان. وهل هو صحى للعلاقة أم لا؟.

 

مبدئيا سبق وعرفت الحب من منظور علم النفس من قبل على أنه مكونات ثلاثة وهى المشاعر الايجابية والاختيار للشريك والالتزام بهذه العلاقة. وبالتالى فالذوبان عشقا هو درجات مرتفعة فى هذه المكونات الثلاثة، لكن ما الحد الفاصل بين الذوبان فى الحب وذوبان الهوية وافتقادها؟.

 

فى الحقيقة جلست بشكل شخصى مع كثيرات فقدن هويتهن فى علاقات الحب وأصبحن نسخا ممسوخة من الشريك الآخر.

 

من الطبيعى أن يحدث فى علاقات الارتباط تغيير فى نمط السلوك، ومحاولة من كل شريك أن يفقد بعضا من حريته الشخصية ويقترب من عالم الآخر. لكن هذه الخطوة يجب أن تؤخذ بحذر شديد لأنها الخطوة التى يحدث فيها ذوبان للهوية وافتقادها، وعندها تصاب العلاقة بالاضطراب.

 

على الرغم من أن ذوبان الهوية فى العلاقة العاطفية شائع لدى البنات، إلا أننى رأيت بعض الرجال يفقدون هويتهم من أجل العلاقة.

 

من سمات هذا الفقدان أن أترك اهتماماتى الشخصية وأتنازل عنها فى مقابل الاهتمام باهتمامات الشخص الآخر وترك دائرة العلاقات والتخلى عن العادات القديمة وترك عالم بأكمله والاندماج فى عالم آخر ربما لا يروقنى أصلا لكن طوال الوقت أضع العلاقة أمام الاندماج فى هذا العالم وأحاول أن أصبح فاعلا فيه.

 

من الطبيعى أن يكون لكل منا عالمه الخاص والذى ربما يتماس مع عالم الشريك وكل منا يحاول قبول العالم الآخر ومحاولة الاقتراب منه لكن بالمساحة التى تسمح له بالحرية وبالدخول والخروج وقتما شاء.

 

من أكثر الأمثلة الذائبة فى الهوية حالة فتاة كانت متزوجة من رجل مختلف عن عالمها تماما، وطوال سنوات زواجها الخمس تركت كل اهتماماتها الخاصة وتحولت إلى الاهتمام بكل ما كان يسعده حتى بدون أن يطلب منها ذلك، تركت الرسم الذى كانت تعشقه وتركت مجموعة أصدقائها والتى كانت تبتهج معهم جدا، وانضمت إلى أصدقاء لا يوجد مشترك بينها وبينهم سواه، حدث ذوبان فى الآخر غير صحى بالمرة وسقطت كل الحدود الصحية المفترض وجودها فى الزواج. وعند الطلاق اكتشفت أنها فقدت هويتها المتمثلة فى اهتمامتها وصورتها عن ذاتها وأصدقائها وأحلامها وأصبحت شخصا آخر لا تعرفه ويرتبط وجودها بآخر غير موجود الآن فسقطت فى اكتئاب شديد.

 

الصحى أن يقترب كل منا بنفس القدر، ما زلت أتذكر مقولة سمعتها فى محاضرة عن العلاقات مفادها أن أقترب بنفس القدر الذى يقترب فيه الطرف الآخر، لابد أن تكون الخطوتان متساويتان حتى يرى الشريك ما يفعله.

 

الإناث يرغبن فى التغيير بسرعة، حيث ظللن يحلمن بخطوة الارتباط والتى ربما ستغير عالمهن، فتحاول الكثيرات أن يتركن كل العوالم القديمة والبدء من عالم جديد.

 

أنا شخصيا فقدت صديقتين من صديقاتى الحميميات بسبب الذوبان فى الزواج، أصبحن لا يشبهن صورتهن القديمة وأصبحن نسخا ممسوخة من الزوج وكلاهما تعانى من اكتئاب الآن.

 

فليس شرطا أن يحدث طلاق حتى تكتشف أنها لا تشبه نفسها، يمكن أن يحدث ذلك أثناء الزواج وخاصة عندما لا يشعر الزوج بهذا الذوبان ويعتبره طبيعيا جدا ولا يقدم عائدا ايجابيا للزوجة عليه.

 

الزوجة التى تقوم بكسر هذه الحدود يمكنها أن تستمر فى ذلك وبدون اكتئاب عندما يقدم لها مردودا إيجابيا طوال الوقت، وقتها ستظل تقدم المزيد والمزيد من ذاتها التى تحاول أن تكسرها لتذوب فى ذات آخرى وتكسر هويتها لتدخل فى هوية الآخر، فقط من أجل هذا التدعيم واستمرار الحصول عليه.

 

على النقيض تماما نجد الخوف الشديد من الدخول فى عالم الآخر، وهو يصيب الرجال أكثر من النساء ويصيب النساء المستقلات أيضا، فتجد الشخص ليس لديه استعدادا للاقتراب من عالم الشريك الآخر، ويظل محتفظا بمكانه بتصلب شديد.. النضج فى العلاقة أن يقترب كل منا من عالم الآخر وهو متأكد من مساحته الخاصة والتى لن يفقدها.. يمكننا أن نقترب من عوالم بعضنا البعض بدون ترك عوالمنا وأشياؤنا الخاصة وخاصة إذا كانت لا تؤذى الطرف الآخر.. فلنضفى معنى جديدا على الذوبان عشقا، الذوبان وكل منا محتفظا بمكوناته، ربما شيئا أشبه بالمكسرات على الآيس كريم، حيث تضفى طعما لذيذا لكننا نستطيع رؤيتها بشكل منفصل عن الآيس كريم.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات