أن نتعلم عن الوطن - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 11:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أن نتعلم عن الوطن

نشر فى : الخميس 8 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 8 أغسطس 2013 - 8:00 ص

رأيت مؤخرا طفلين فى الخامسة من العمر، أحدهما ولد لأب ليبرالى وكان يردد فى المظاهرات هتاف «انزل يا سيسى مرسى مش رئيسى»، والطفل الآخر أبوه إخوان وانسحب فى أحد الأفراح يردد هتافا تعلمه طوال الأيام السابقة من مظاهرات رابعة وهو «ارحل يا سيسى مرسى هو رئيسى».

كنت أقرأ الأسبوع الماضى بحثا بعنوان « إسهام بعض المتغيرات فى تنمية قيم المواطنة لدى الأطفال الموهوبين وغير الموهوبين»، للدكتورة ناهد فتحى، وهى أستاذة بقسم علم النفس بجامعة المنيا. وأنا أطالع الدراسات التى سردتها الباحثة كنت أفكر فى أطفال رابعة وهم يرتدون أكفانهم وعلى ظهورهم عبارة «مشروع شهيد»، وتساءلت كيف سيتعلم هؤلاء الأطفال معنى الوطن، وماهية هذا الوطن بالنسبة لهم، وهل كلمتا «تكبير» و«إسلامية» هما هويتهما التى سيتربيان عليها، وبالمعنى الضيق الذى يتعلمونه من آبائهم فى جماعة الإخوان المسلمين.

التعريف الذى أدرجته الباحثة لقيم المواطنة هو «جملة من القيم المعيارية تمثل حق الإنسان فى الحياة الكريمة وفى العدالة والمساواة فى الحقوق الاجتماعية لكل فرد فى المجتمع، بصرف النظر عن جنسه أو دينه أو مذهبه، وكذلك حقه فى التعبير عن رأيه وانتخاب من يمثله على قمة السلطة السياسية فى وطنه». فى الحقيقة نحن نعلم أبناءنا هذه الأيام عكس هذه القيم، لا ننمى قيم المواطنة بل قيم التحزب. رأيت مؤخرا طفلين فى الخامسة من العمر، أحدهما ولد لأب ليبرالى وكان يردد فى المظاهرات هتاف «انزل يا سيسى مرسى مش رئيسى»، والطفل الآخر أبوه إخوان وانسحب فى أحد الأفراح يردد هتافا تعلمه طوال الأيام السابقة من مظاهرات رابعة وهو «ارحل يا سيسى مرسى هو رئيسى». عندما أفكر فيما يتعلمه هذان الطفلان أجده بعيدا عن المواطنة، وقريبا من التحزب لفئة وإلغاء الآخر الشريك فى الوطن وتخوينه.

البحث كان يتحدث عن أن تعليم المواطنة للأطفال يتطلب ثلاثة أشكال: يتمثل الشكل الأول فى أن يتم تعليم الأطفال الفرق بين الصواب والخطأ، من خلال تعلم أهمية القيم العالمية كاحترام الاختلاف مع الآخر، وعندما أفكر فى ذلك العنصر أجد أننا لا نعلم أبناءنا إلا الاختلاف مع هذا الآخر والتأكيد على جوانب هذا الاختلاف (مسلم ــ مسيحى). والآن ( مع الإخوان ــ ضد الإخوان)،  (مع العسكر ــ ضد العسكر). يتمثل الشكل الثانى فى تعليم المواطنة فى الاعتراف بأن هناك صراعات فى العديد من المجتمعات، مما يتطلب المواجهة والتحدى وهو أمر بالغ الأهمية فى المجتمعات التى تتسم بالانقسامات العرقية أو الجنسية. وعندما نتحدث عن المواجهة هنا نقصد مواجهة الصراع وانهائه والتكامل المجتمعى وهو أمر لا يحدث نهائيا. والشكل الثالث يتمثل فى تزويد الأطفال بالوعى النقدى بهدف استخدامه فى المجتمعات التى يعيشون فيها.

يجب أن نعترف أننا لا نعلم المواطنة لأطفالنا، وبالتالى لن نجد فى السنوات المقبلة مواطنين صالحين،  بل سنجد إن جاز التعبير «متحزبين صالحين»، كل يعلم أبناءه كيف سيعمق اختلافه مع الآخر وكيف سيحرر الوطن المتصور عن ذلك الآخر لأنه سبب النكسة التى نعيش فيها.

النتيجة الخطيرة التى تحدث عنها البحث هى تلك العلاقة السلبية بين الانتماء والتفكير الابداعى،  فالموهوب صاحب أداء متميز وهذا يجعله مختلفا عن الآخرين غريبا عنهم، مما يؤثر على انتمائه.

فالمواطن الذى لديه وعى نقدى ويحترم الآخر ويقبله سيطرد من الوطن لأنه مختلف، الأمر حقيقى جدا... حكى لى أحد المنشقين عن جماعة الإخوان كيف طلب منه مشرفه فى الجماعة، وهو طالب فى الجامعة، أن يكتب بحثا عن الغناء وكيف أنه حرام شرعا، بما أن هذا الطالب لديه حس نقدى مرتفع ومبدع بدرجة كبيرة، فقد خرج بنتيجة مفادها أن الغناء حلال،  وهى النتيجة التى عوقب عليها، وشعر أنه مختلف عن الجماعة ونبذه الآخرون فخرج منها، بعد مواقف متعددة غير محتمل فكرة عدم الانتماء.

الوضع بات صعبا وأصبح من الضرورى أن تتبع المدارس بعض المناهج، التزاما بمواثيق حقوق الطفل المشتركة فيها مصر مع بقية الدول، فمن ضمن المواثيق ما يسمى بالميثاق الأفريقى لحقوق ورفاهية الطفل، والذى يقال إن العمل به بدأ فى 29 نوفمبر 1991،  والذى يحث على مسئولية الطفل فى خدمة مجتمعه المحلى والحفاظ على روح التسامح والحوار والمساهمة فى السعادة الأخلاقية للمجتمع.

فى الحقيقة لا يوجد أى إلزام للأطفال فى المدارس بخدمة مجتمعاتهم المحلية، وهو أمر ضرورى ومهم لتنمية المواطنة وخدمة فئات المجتمع بأكملها.

لو لم تهتم وزارة التربية والتعليم بالمناهج التى تضعها لأطفالنا وإذا لم نهتم بعدم حشو عقولهم بانتماءاتنا البعيدة كل البعد عن مفهوم المواطنة، لن نجد فى الأعوام المقبلة مواطنين يسكنون الدولة. وسنصبح من أهم ضيوف النشرات العالمية التى ستذيع أخبار الحروب الأهلية فى مصر.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات