من الإسكندرية إلى القاهرة - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الإسكندرية إلى القاهرة

نشر فى : الخميس 27 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 27 يونيو 2013 - 1:19 م

الجالس أمامى فى القطار كان رجلا فى الأربعينيات من عمره، وإلى جواره آخر أظنه فى منتصف العشرينيات، كانا يتناقشان حول النزول إلى المظاهرات يوم 30 من الشهر الحالى، استمتعت بتحليل صخبهم والتمعن فيه أكثر وأكثر.

 

فى تمام السادسة مساء، وصل القطار إلى محطة الإسكندرية قادما من القاهرة، بفرحة عارمة جلست بهدوء على الكرسى بعد تعب يومين فى العمل. حاولت النوم دون جدوى، فى كل محاولة كنت أواجه صخب الأشخاص الجالسين حولى، وفى الحقيقة استمتعت بتحليل صخبهم والتمعن فيه أكثر.

 

أولى الصاخبات كانت طفلة لا تتعدى الخامسة من العمر، تنطلق فى نوبة من الحكى المستمر لأمها وجدتها، وتستعرض بعضا مما تحكيه لجيرانها من المسافرين فى القطار.

 

الطفلة كانت ممتعة بحق، تتحدث بتلقائية وصوت مرتفع، إلى أن ارتفع صوت أمها فجأة وبدون أى مقدمات، وفى منتصف ما تحكيه الطفلة من أشياء مهمة بالنسبة لها صاحت: «بس بقى كفاية رغى». لن أنسى نظرة الطفلة وقتها لوجه أمها ثم انسحابها نحو الشباك المغلق بجوارها «لتدفس» أفكارها وحكاياتها التى لم تكتمل.

 

تمعنت قليلا فى مصير الطفلة، ربما تنتابها مشاعر عدم الثقة بالنفس، وربما تقرر عندما تكبر ألا تشاركنا حكاياتها لأننا حتما سنراها تلك الطفلة المملة الثرثارة، وربما كان مقدرا لها أن تكتب القصص القصيرة والروايات وتحصل على جائزة البوكر فى الرواية العربية، لكن تلك الصدمات التى تتكرر من والدتها فيما يبدو جعلتها تكره الحكى ولا تثق فيما تكتبه.

 

ظلت الطفلة طوال الطريق صامتة، وانطلقت فى عدوانية شديدة لتدفع بالشخص الذى أمامها وتخرج من القطار عند محطة الوصول، وقتها أردت أن أخبرها أننى أود أرغب فى سماع بقية حكايتها، لكن نظرة واحدة إلى الأم دفعتنى إلى الصمت.

 

الجالس فى الكرسى الأمامى كان رجلا فى الأربعينيات من عمره، وإلى جواره آخر أظنه فى منتصف العشرينيات، كانا يتناقشان حول النزول إلى المظاهرات يوم 30 من الشهر الحالي، الأول كان يؤكد عدم نزوله وعدم جدوى المظاهرات لأن مرسى لن يترك منصبه وإن فعل فسيأتى آخر ويعتلى الكرسى حتى يفسد، فيثير الجموع وتنتفض مرة أخرى. أما الثانى فيرى الشاب أن الثورة مستمرة وأن مرسى سيخرج من الحكم يوم 30 وأن الجموع لن تهدأ حتى يتم تطهير الكرسى.

 

كان بداخلى رغبة فى سؤال كل منهما عن عمله، وما هو دوره الشخصى فى الخروج من الأزمة، فلست ضد أن نخرج فى مظاهرات يوم 30،  ولا أستبعد أن يأتى فاسد للحكم، لكنى أفكر فى دورى ومدى مسئوليتى عن التغيير، وأناقش نفسى أحيانا قائلة إننى جزء من كيان الدولة المسئولة بالكامل عن هذا الوطن، ثم أتذكر ما حكاه لى زوجى الطبيب بأحد المستشفيات الحكومية المثيرة للاشمئزاز حقيقة.

 

وأعرف أنه يجاهد نفسيا فى تقبل الواقع الفقير لهذا المستشفى، لكنى أعلم أنه يساعد المرضى بحب وإخلاص، بعكس طبيب أكبر منه سنا كان معه من أسابيع بالعيادة نفسها التابعة للمستشفى الذى انتقل كرهه لها للمرضى، فهو يشعر أنه مضطر إلى المجيء فى هذا «المستنقع» من أجلهم، وبالتالى يرفض مساعدتهم أحيانا، ولا يقوم بدوره المحدود فى ظل الامكانيات المحدودة.

 

الدور الفرد هنا له بُعدان: الأول الثورة على النظام القائم بالمستشفى أو على النظام الأكبر منه، والدور الثانى يتمثل فى القيام بما فى قدرته أو بما هو فى إطار الممكن.

 

خرجت من القطار وأنا مؤمنة أننا ربما سنكسب المعركة يوما مع نهاية الشهر الحالى، لكننا سنكسبها بالطريقة نفسها التى كسبنا بها فى 25 يناير، ولأول مرة أشعر بمعنى جديد لشعار «الثورة مستمرة».

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات