علامة النصر - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 11:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علامة النصر

نشر فى : الثلاثاء 16 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 يوليه 2013 - 8:00 ص

لا علاقة للقضية بالدين، هو عنف منفجر من صراع لم يحل، صراع خلقته السلطة بكل أنواعها، سلطة الأسرة التى لم تجد زرع القيم والانتماءات، ولم تجد تسديد الاحتياجات النفسية، وسلطة مدرسية لم تجد زرع تربة خصبة للمعلومات وأساليب منطقية للتفكير ومناقشة الأفكار، وسلطة دينية زرعت الكراهية بين الرب وعباده.

 

وجه الضحايا الملطخ بالدماء يتغير يوميا، تتعدد الأسباب والموت واحد، شيعة كافرون بالله، سنة كافرون بمرسى، المدافع فى رمضان هذا العام حقيقية، والدماء لطخت جدراننا جميعا. ربما سأنسى وجه الضحايا الملطخ بالدماء، لكن لن أنسى وجوه الشباب الضاحك المهلل بعلامة النصر  فى حادثة ابومسلم والتى حدثت منذ أسابيع، لن أنسى أصوات المتظاهرين وهم يهتفون «اسلامية»،  وبعضهم يحرض على القتل وتفجير نفسه وسط تجمعات بشرية، تلك المشاهد هى حاليا الأكثر تأثيرا على... تعودنا رؤية الدماء فى الوقت الأخير على صفحات الجرائد، وأصبح المشهد مكررا حتى تعودنا عليه وأصبحنا نتوقعه فى صباحاتنا فيلونها بلون رمادى، لكننا لم نعتد بعد عدم مهابة الموت والفرح والتهليل لقتل الأخ. عندما أفكر فى حادثة أبومسلم بالتحديد وأتذكر وجوه القتلة أشعر بالحزن الدفين.

 

ربما لو كان لهؤلاء المهللين ذقون كبيرة لشعرت أن الأمر أهون، على الأقل هم يدافعون عن ما يؤمنون به، ويسلكون وفقا لقيمهم التى ترى أن الشيعة كفرة، لكن بنظرة واحدة على وجوه المهللين، ستجدهم يشبهونك تماما، ويشبهون ابن أخيك وابن عمتك وابن خالك الذى تنصحه كثيرا بأن يواظب على الصلاة لكنه دائما ما ينسى.

 

أحاول منذ الحادثة أن أفكر فى سبب علمى يدفع هؤلاء إلى الغضب من الشيعة وقتلهم، الشحن السلفى فى المنطقة ضد الشيعة ليس كافيا وحده كمبرر يدفع للقتل بهذه الطريقة. ذلك العنف الشديد لا يوجد ما يبرره، ربما أفهمه فى ظل إيمان بقضية محددة، لكن هؤلاء الشباب لا قضية لهم ، ربما يعيشون فى ظل صراعاتهم الشخصية وهمومهم الكثيرة.

 

هل لى بالتجاوز ووصف ما حدث بأنه عنف ضد الله، حالة من الازدواجية والمفارقة بين الغضب الشديد من الله على كل عذابات الدنيا التى يعيشونها من فقر وعدم وجود فرص آدمية للعمل، والمهانة اليومية ، والخوف الشديد بسبب كل الذنوب التى ارتكبوها، فينتج ذلك الصراع الذى يحل بالعنف. وأنا أقتل الشيعة الذين جاءوا للاحتفال بليلة النصف من شعبان، أقتل جزءا من صراعى المتوهج والمعذب لى.

 

لا علاقة للقضية بالدين، هو عنف منفجر من صراع لم يحل، صراع خلقته السلطة بكل أنواعها، سلطة الأسرة التى لم تجد زرع القيم والانتماءات، ولم تجد تسديد الاحتياجات النفسية، وسلطة مدرسية لم تجد زرع تربة خصبة للمعلومات وأساليب منطقية للتفكير ومناقشة الأفكار، وسلطة دينية زرعت الكراهية بين الرب وعباده، فإما أن تكون راضيا بكل ما عطاك الله إياه فى ظل واقع فقير، وإما أن تكون جاحدا لعطاياه التى لا تراها. إما أن تكون مخلصا له وتنتظر الخلاص، وإما أن تكون ضده، والخيار هنا صعب فى ظل هشاشة الفرد. لا يجب أن ننسى أيضا السلطة الحاكمة التى سرقت الانتماء للوطن، وربما سرقت الوطن كله لتجد خواء كبيرا يواجهك عند التفكير فى لفظة الانتماء.

 

ذلك الصراع الرهيب مع الله وكل رموز السلطة يفرز ضغوطا وعنفا، ويكون الحل السحرى عندما يبرر العنف بأنه من أجل الله، فتجد جماعة تتحدث باسمه وتبرر ذلك العنف وتوجهه باسم الله وباسم طاعته. ربما هى المرة الأولى والأخيرة التى سيشعر فيها كل منهم برضا تام متخيل عن رضا الله عنه عندما يدافع باسمه مستخدما أداة يجيدها وهى العنف.

 

وقتها تلك الابتسامة وعلامة النصر تعبران عن التصالح وحل الصراع، فلم يعد الله غاضبا عنا، بل أصبح راضيا. لن أنسى ما قاله أحد القتلة عند اعترافه بسب الضحية الشيعية وهو يؤكد عليه نطق الشهادتين ثم يضربه حتى الموت.

 

ما حدث فى قرية أبو مسلم كارثة بكل المقاييس، لكن ما حدث يعد إفرازا طبيعيا لكل ما يجرى منذ سنوات وما زال مستمرا حتى الآن. الحل ليس فى سلطة واحدة عادلة تقدم حلولا سحرية لإنشاء وطن جديد وزرع انتماءات فى نفوس مواطنى هذا البلد.

 

الحل لن يأتى سريعا، ربما نحن فى طريقنا إليه، لكن نحتاج لسلطات متعددة واعية تجعلنا متصالحين مع ذواتنا وتدفعنا للتصالح مع الله، وقتها لن تتكرر مثل هذه المأساة أبدا وسيصبح لعلامة النصر معان أخرى.

 

 

(باحثة نفسية)

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات