استخفاف فى غير محله - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استخفاف فى غير محله

نشر فى : السبت 12 مارس 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : السبت 12 مارس 2016 - 10:00 م
إلى من يدفنون الرءوس فى الرمال ويصرون على اجترار خطاب «الإنكار الرسمى» بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التى تشهدها مصر، باتجاههم أسجل أن الاستخفاف بالإدانة الدولية المتكررة وهى تأتى من جهات حكومية وغير حكومية متنوعة لن يذهب بهم بعيدا مثلما لن يجدى توصيفها المتهافت كدليل على «تآمر الجميع علينا» وعلى «مؤامرات الشر التى تريد إسقاط الدولة» وبالقطع تدمير المجتمع.

فالأمر لا يقتصر على توصية البرلمان الأوروبى لحكومات الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى قطع المساعدات عن مصر إلى أن تتحسن «أوضاع حقوق الإنسان» بها، تلك التوصية التى أصدرتها أغلبية ساحقة من البرلمانيين الأوروبيين بعد مناقشة لحادثة قتل باحث الدكتوراة الإيطالى جوليو ريجينى.

بل تتوالى، على مستوى الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة كالمجلس الأممى لحقوق الإنسان، التصريحات والتقارير السلبية بشأن «سجل الحكومة المصرية» فى مجالات صون حقوق وحريات المواطن واحترام سيادة القانون. وتواصل أيضا منظمات غير حكومية عاملة دوليا إصدار بيانات تدين الممارسات القمعية الصارخة . وتكثر البرلمانات المنتخبة فى بعض الدول الغربية من تنظيم جلسات استماع عن «الأحوال المصرية» تخفت بها أصداء حديث «الحرب على الإرهاب فى الشرق الأوسط» وأولوية دعم نظام الحكم فى مصر، بينما تتعالى الأصوات الرافضة لتجاهل القمع . وتكتمل حلقات الإدانة بالعديد من التقارير التى تنشرها الصحف ووسائل الإعلام العالمية، وتصنف الحكومة المصرية فى خانة «كبار منتهكى الحقوق» إن بشأن عدد الصحفيين المسلوبة حريتهم أو بشأن عدد حالات الاختفاء القسرى المتداولة معلومات عنها أو بشأن تعقب المدافعين عن الديمقراطية وعن النشاط المستقل لمنظمات المجتمع المدنى أو بشأن القتل خارج القانون والتعذيب.

من يستخفون بإدانة البرلمان الأوروبى أو يصمونها كدليل «مؤامرة جديدة» لن تذهب بهم كلماتهم بعيدا. باختصار، لأن إدانة الممارسات القمعية والانتهاكات التى يتورط بها الحكم فى مصر أصبحت حالة دولية أطرافها برلمانات وحكومات ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام. من يجترون خطاب «الإنكار الرسمى» بمفرداته، كالزعم بكون الانتهاكات لا تعدو أن تكون «تجاوزات فردية» أو الدفع بإمكانية «تعرض أى مواطن مصرى لحادثة مشابهة لحادثة قتل جوليو ريجينى» أو استدعاء مقتضيات الحرب على الإرهاب والأعداد المتزايدة لشهداء القوات المسلحة والشرطة، لن تذهب بهم الحجج والمبررات التقليدية بعيدا. فلا مقولة التجاوزات الفردية قابلة للتسويق المحلى أو الدولى، ولا تناقض على الإطلاق بين إدانة الإجرام الإرهابى الذى يسقط شهداء الوطن والواجب فى سيناء ومواقع أخرى وبين رفض المبررات الواهية للقمع الرسمى والمظالم والانتهاكات الناجمة عنه. أما من يتجاهلون حالة الإدانة الدولية «لسجل الحكومة المصرية» فى مجالات صون الحقوق والحريات ويدفعون بإمكانية الاكتفاء بتأييد بعض حكومات القوى الكبرى كالحكومة الروسية والحكومة الصينية غير المكترثتين بحقوق الإنسان لا فى داخل مجتعماتهما ولا خارجها أو بعلاقات التحالف الإقليمية، فهم أيضا واهمون. فمن جهة، تظل حكومات الديمقراطيات الغربية أكثر أهمية اقتصاديا وتجاريا وعسكريا لمصر إذا ما قورنت بروسيا أو الصين. ومن جهة أخرى، يقضى تصنيف نظام الحكم فى مصر فى خانة «كبار منتهكى الحقوق» على الفرص الفعلية لصناعة انطباعات إيجابية فى الخارج عن أحوالنا الراهنة ويفرض من ثم الكثير من القيود المؤلمة على علاقتنا بالعالم إن فى مجال التعاون العلمى والتكنولوجى أو لجهة تنشيط السياحة العالمية أو فيما خص التبادل البحثى والأكاديمى. والأخير شرعت بعض التجمعات الأكاديمية الأمريكية والأوروبية فى إلغاء برامجه بعد حادثة قتل ريجينى.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات