المراجعة الصادقة تحتاج إليها الدول كما تحتاج إليها الجماعات والأفراد.. وهى بداية التغيير نحو الأصوب والأفضل.. وعلى الدول ألا تنتظر حتى تحدث الكارثة تلو الأخرى حتى تفيق من سباتها وتجرى المراجعة تلو الأخرى لتصحح الأخطاء بعد فوات الأوان أو بعد أن تكون «مالطة قد خربت» كما يقولون.
ومن أشهر المراجعات التى جرت فى تاريخ الدولة المصرية المراجعة العسكرية الشاملة التى قام بها الرئيس عبد الناصر بعد هزيمة الجيش المصرى فى 5 يونيه 1967.. بحيث يمكننا القول بأنه أعاد بناء الجيش المصرى بعد الهزيمة على أسس جديدة وصحيحة بعد إقصاء المشير عبدالحكيم عامر وشمس بدران ورجالهما واستقدام الجنود ذوى المؤهلات العليا للتجنيد لتكون عمادًا جديدًا للعسكرية المصرية الحديثة و... و... ومن بين المراجعات الهامة التى أجرتها الدولة المصرية ما قام به اللواء. أمين هويدى بتصحيح مسيرة المخابرات المصرية وإغلاق ملفات الفساد الأخلاقى فيها وطى صفحة كئيبة انحرف فيها صلاح نصر بهذا الجهاز الوطنى الحساس.
ومن أهم المراجعات فى تاريخ الدولة المصرية ما قام به الرئيس السادات فى إنهاء ملفات تعذيب الإسلاميين فى السجون وخاصة السجن الحربى فى الستينيات والإفراج على دفعات عن المعتقلين الإسلاميين الباقين من جماعة الإخوان .. وتصحيح العلاقة المتوترة والعدوانية بين الدولة المصرية والإخوان والإسلاميين.. ثم إلغاء قانون الطوارئ فى سابقة لم تحدث منذ عام 1954.
وهذه المراجعات المهمة وغيرها فى تاريخ الدولة المصرية كانت سببا ً فى تطور ونمو وتقدم مصر.. واحترام العالم وتقديره لها.
والآن تحتاج الدولة المصرية إلى مراجعات بل وجراحات عاجلة لا ينبغى التقاعس عنها أو التباطؤ فيها وإلا كان ذلك خطرا ًعلى مصر والدولة وكل القوى المجتمعية الفاعلة.
وأرى أن أهم هذه المراجعات التى تحتاجها الدولة المصرية على وجه السرعة ما يلى:
1ــ هدم منظومة الفساد والرشوة والتربح التى استشرت فى كيان مؤسسات الدولة المصرية بلا استثناء وتوجيه ضربة ساحقة ماحقة لهذا الفساد المؤسسى الذى نخر فى قلب الدولة المصرية ويكاد يسقطها تماما.
2ــ هدم منظومة توريث الوظائف الذى يعجب الجميع لاستمراره وعودته مرة أخرى بعد توقفه لوقت قصير بعد الثورة.. فلم تخل هيئة أو مؤسسة مصرية من هذا الداء الوبيل.. بدءا من البنوك والشركات والسفارات وانتهاء ً بالقضاء والشرطة والمؤسسات السيادية الأخرى.
3ــ تصحيح وتصويب العلاقة بين الدولة المصرية والحركة الإسلامية.. ووضع إطارات عادلة وحكيمة وواقعية للتعايش بينهما.. بحيث يستفيد ويتعاون كل منهما مع الآخر.. ولا ينصب أحدهما الفخاخ للآخر ويتمنى فشله وتدميره.. ويعتقد كل منهما أنه لن يحيا إلا فى غياب الآخر.
4ــ تحسين حالة السجون المصرية.. فمن المؤسف أن السجون المصرية الآن أسوأ حالا ً من أيام مبارك الأخيرة وخاصة بعد عام 2005 حيث كانت السجون المصرية أفضل من كل سجون المنطقة.
5ــ الإفراج عن كل من لم يثبت عليه تهمة قتل أو حرق أو اعتداء أو عنف.. ثم تخفيف الأحكام عن صغار السن وكبارهم إن لم يتيسر الإفراج عنهم.
6ــ التفريق فى المعاملة بين مظاهرات الجامعات وغيرها.. وبين المتظاهرين عموما ًوالمجموعات التكفيرية التى تفجر وتغتال.. وعدم استخدام أى أسلحة مع المتظاهرين سوى الغاز وخاصة فى الجامعة.
7ــ حل أزمة فض اعتصام رابعة بالقوة المفرطة حلا ًعادلا ً يرضى كل الأطراف.. وينزع كل الآثار السلبية التى علقت بالنفوس من ذلك.. ومحاولة إنشاء صندوق يدعمه رجال الأعمال لدفع ديات كل الذين قتلوا فى الأحداث من الإسلاميين والشرطة والجيش والعوام والمسيحيين من هذا الصندوق بحيث تنطفئ نيران الثأر التى أعمت كل القلوب عن رؤية مصلحة مصر والرغبة المتأججة لقتل كل شىء جميل فى الحياة مادام ابنى أو صديقى قد قتل هاهنا أو هناك.
8ــ عقد مصالحة شاملة بين كل أطياف المجتمع المصرى بلا استثناء على قاعدة العدالة والتغافر والإحسان والصفح والعفو.. ولولا مساحة المقال لأضفت المزيد.