• قبل لقائى بالدكتور سليم العوا كنت أعتقد أن مقاصد الإسلام هى الخمسة فقط التى ذكرها الإمام الشاطبى وهى حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وكنت أعتقد أنه لا يجوز لأحد من العلماء أن يزيد عليها، وأعتقد أن معظم دعاة وعلماء الأزهر والحركة الإسلامية والسلفية يعتقدون مثل هذا الاعتقاد.
• لكن د. العوا غير عندى هذه الفكرة التقليدية، وقال لى: إن مقاصد الشريعة أوسع من أن تحصر فى هذه الخمسة، وأنه يجوز للعلماء المعاصرين أن يجتهدوا فى هذا الأمر كما اجتهد الشاطبى، وإذا كان الرجل قد سبق عصره وأقرانه بهذا الأمر، إلا أنه لا يعنى ذلك أن يغلق الأمر عند هذه الخمس.
• فالشريعة أوسع من أن يحدها حد أو يدركها عالم، ومقاصدها أوسع من هذه الخمس بكثير، وذكر لى أن من أهم المقاصد التى ينبغى أن تضاف إليها، الحرية والكرامة الإنسانية، وقد تفكرت كثيرا فى كلامه فوجدته يمثل عين الشريعة فأى أمة دون حرية لا حاضر لها ولا مستقبل.
• وأن الأمم المستعبدة أو الاستبدادية لن تعرف الدين حقا، وأن الإسلام وكل الأديان لا تنمو بحق إلا فى أجواء الحرية، وأن الاستبداد بكل أشكاله يقتل الدين والدعوة إلى الله.
• وتذكرت كلمة العبقرى العظيم عمر الفاروق «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، والعجيب أنه قالها نصرة لقبطى ضد صحابى وابنه.
• تعلمت من أستاذى د. محمود زعزوع كيف يصنع الطبيب الخير مع الفقراء والمساكين، فقد وجدت الرجل ــ رحمه الله ــ يفحص ثلاثة أرباع مرضاه بلا مقابل ويبحث عن أى مبرر ليعيد لهم أجرة الكشف الطبى.
• فهذا إمام المسجد وهذا قسيس الكنيسة وهؤلاء الأطباء وأسرهم، والرياضيون لأن ابنه الطبيب الشاب رياضى، وهؤلاء أقارب العاملين بالمستشفى، وهكذا.
• قلت له يوما: كيف ترضى أن تأخذ ربع أجر الجراحات؟! قال: نحن هنا فى الصعيد نمارس الطب كرسالة وليس كباب للغنى أو اليسر.
• وتعلمت من د. جبريل حكيمباشى مستشفى الرمد بأرمنت الزهد، فقد ظل فترة يتبرع بدخل العيادة كله لبناء مسجد ضخم هناك، وكانت المرأة تعطيه عشرة جنيهات على جراحة أجرها أربعون فيقبلها.
• وتعلمت من د. لبيب وهو مسيحى أن يفحص الأشقاء الثلاثة بأجر واحد فقد كان يفعل ذلك معنا ومع غيرنا، ومن د. محمود فتح الله، أستاذ النساء العالمى التواضع والخلق الكريم فقد كان يعطى وبانتظام «السكشن» للطلبة الصغار رغم أنه كان وقتها حاصلا على جوائز عالمية كثيرة ومسئولا كبيرا فى منظمة الصحة العالمية.
• تعلمت من أستاذى د، كمال أبوالمجد ما يسمى «بفقه تفريد الفتوى» أى دراسة واقع الناس الذين تتحدث إليهم فى الدعوى أو حال الناس الذين تفتيهم، أو واقع المستفتى الذى تفتيه، ورأيت فيه عقل العلماء العظام وقلب الأطفال الأبرياء الذى لا يعرف الحقد والغل أو الكراهية والمكر.
• ورأيت فيه كيف يمزج العالم بين العطاء الحضارى العظيم للإسلام وعطاء الحضارة الغربية وإبداعاتها، فالمزج بين الحضارتين مزجا صحيحا ومفيدا يعمر الكون ويحيى النفوس، وكل هذا ليس سهلا ولكنه صعب للغاية.
• تعلمت من راشد الغنوشى كيفية تفعيل فقه المصالح والمفاسد وفقه الموازنات وذلك بتصرفاته الحكيمة التى ترجمها بقوله «لئن نكون فى المعارضة خير من أن نكون فى السجون».
• تعلمت من د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر تبرعه بمرتبه كشيخ للأزهر بدرجة نائب رئيس وزراء منذ توليه للمشيخة وكذلك رفضه لكل هدايا الملوك وهى بالملايين مع عفة لسانه فقد ظل بعض الشباب يسبونه ويشتمونه عاما كاملا بغير حق ورغم ذلك لم يرد على أحد، ولم ينطق يوما بكلمة فحش.
• تعلمت من المرحوم عصام دربالة الهمة والعزيمة فقد كان مبتور اليد اليمنى فلم ييأس لتركه كلية الهندسة فحصل على درجتى الليسانس فى التاريخ واللغة العربية، ثم ليسانس الحقوق ثم ماجستير الحقوق، وتعلم الكتابة باليد اليسرى وكان يأبى أن يرسل ملابسه لزوجته وكان يغسلها ويعصرها بنفسه بيد واحدة، وكان يطبخ للأصحاء ويخدمهم ويبدو أكثر نشاطا منهم.
• فى أول عام لى فى السجن قدم علينا المهندس المرحوم عبدالعزيز السروى، وكان قد سجن وعذب فى شبابه فى السجن الحربى فأقسم على الله قسما ألا يعذب هذه المرة وأن يخرج من السجن دون أن يحقق معه أحد.
• فكان يجلس فى فناء العنبر ويردد «اللى عايز يروح يذكر معنا»، فنردد سويا «لا حول ولا قوة إلا بالله» مائة مرة، أدعية الاستغفار مائة مرة، «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين» مائة مرة، وهكذا.. وفعلا بعد عدة أيام جاء الشاويش ونادى على اسمه بالخروج من الباب وأرسل لنا بعد وصوله للبيت أن الله استجاب لقسمه عليه كرما منه وجودا.
• ولذا كنت أفرد محاضرة أثناء المبادرة وقبلها بعنوان طريف «الفرج فى المسبحة»، مستدلا بقوله تعالى حاكيا عن سيدنا يونس هو فى بطن الحوت، «فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون».
• تعلمت من أبى التسامح وألا أرد على من يشتمنى أو يسىء إلى، وتعلمت منه كثرة الصلاة على الرسول (ص) وجعلها وردا ثابتا لى.