شيرين أبو عاقلة رمز فلسطينى عظيم، أحيت فى قلوب الملايين قضية فلسطين، جعلتنا نعيش معها قضية هذا الشعب المحتل، ونعيش معها قضية القدس.
كان صوتها أقوى من رصاص الاحتلال وجبروته، لم تترك واقعة إجرام صهيونى أو انتهاك لآدمية الفلسطينيين إلا ووثقتها بالصوت والصورة، كان الجميع يشعر بمصداقيتها فى كل تغطياتها، كانت مثل الأسد الهصور لا تخشى الموت ولا الرصاص، لم يكن الاحتلال الصهيونى ليصبر عليها طويلا، فصوتها كان أقوى من قوتهم وجيوشهم.
أسكتوها بطلقة قناص متعمد فى رأسها، أزعجهم صدقها مع نفسها وقضيتها، لم تكن مجرد مراسلة كانت مندوبة لجميع العرب والمسلمين والمسيحيين فى القدس، لم تترك اقتحاما للأقصى إلا ووثقته.
تزوجت هذه القضية العظيمة ورفضت الزواج، نفس مشهد قتلها وزميلتها تختبئ من الرصاص يذكرنا جميعا بمقتل محمد الدرة ووالده خلفه يختبئ من الرصاص، تغطيتها الفذة لاقتحام الجيش الإسرائيلى لمخيم جنين أغاظ الاحتلال فأسكتوا صوتها إلى الأبد.
شيرين أبو عقل مسيحية ضربت المثل للإخلاص لهذه القضية العظيمة، كانت تعشق القدس مثل ملايين المسلمين والمسيحيين والاشتراكيين واليساريين والقوميين والليبراليين، كلهم جمعهم حب فلسطين والقدس، كانت تردد «إننى أنحى الخوف جانبا رغم أن الموت كان يحيط بها من كل مكان.
لسنوات صوتها يتدفق للناس يمثل لهم الصدق والإباء والعزيمة لم يحزن العالم منذ زمن على أحد مثلما حزن على شيرين، الصغير والكبير المسلم والمسيحى السنى والشيعى كلهم حزنوا عليها وتأثروا بفراقها.
حالة نادرة من الوجد جمعت الناس جميعا على محبتها والحزن على ما أصابها، أى صدق مع عملها وقضيتها تمتعت به هذه السيدة العظيمة حتى حزن عليها الجميع.
كانت تحب المسجد الأقصى حبا جما تستشعر ذلك من كل تغطياتها، لا يمكن أن تعرف أنها مسيحية من تغطياتها لاقتحامات الإسرائيليين للمسجد الأقصى، كأن القدس والأقصى يتربعان على عرش قلبها.
كانت آخر كلماتها على الفيس «فى الطريق إلى جنين» ومعها صورتها وهى تركب سيارتها والمطر يهطل عليها، ذهبت لتغطى اقتحام الإسرائيليين لمخيم «جنين»، كما غطت من قبل أخطر الأحداث فى غزة والقدس، تدخل وسط النيران والرصاص لا تخشى الموت.
العالم كله أدان غزو روسيا لأوكرانيا واحتلال أجزاء منها، الغرب كله حاصر روسيا سياسيا واقتصاديا من أجل ذلك، وإسرائيل تحتل فلسطين منذ عشرات السنين ولم ينطق العالم الغربى بكلمة إدانة واحدة لإسرائيل، وكثير من العرب نسوا قضية فلسطين، إلا شيرين أبو عاقلة، ماتت لتحيى هذه القضية من جديد فى نفوسنا وقلوبنا.
كلماتها كانت أقوى من رصاص الإسرائيليين، اغتيالها لم يأتِ مصادفة بل كان مدبرا، شيرين نموذج فذ لتضحيات النساء فى زمن توارت فيه شهامة الرجال واختفت فيه نخوتهم وبطولاتهم.
عاشت شيرين جندية لم يفارق الحزن عينيها لكثرة الشهداء فى القدس والأقصى الذين عاشت بقلبها وكاميراتها معهم حتى يوم العيد وأيام شهر رمضان، ضحت فى زمن عزَّ فيه المضحون.
والغريب فى الأمر كله أن المجرم الإسرائيلى سينفجر ضاحكا أمام سوأة أولئك الذين لا يهمهم البغى والعدوان الإسرائيلى على امرأة مسالمة ولكن يهمهم هل يجوز الترحم عليها أو إطلاق لقب الشهيدة عليها.
ما أغبى هؤلاء وأشد حمقهم وأقل فقههم بالدين والحياة، فلم يرحمها الإسرائيليون وهؤلاء يريدون حجب رحمة الله الرحيم الودود الرحمن عنها، ما أشد سفاهتهم.
معظم مسيحيى الشام عامة وفلسطين خاصة يؤمنون بالله الواحد ويحبون النبى محمد ويتعايشون مع المسلمين بروح الأخوة فى الأديان والحياة والكفاح.
شيرين كانت لا تخشى الموت، سلام على شيرين رمز العطاء والنضال ورمز القدس الجميلة، شيرين عاشقة القدس كان قلبها يرحل كل يوم إلى القدس مرددة مع فيروز «لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّى، لأجلك يا بهيّة المساكن، يا زهرة المدائن، يا قدس، يا قدس، يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّى، عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور فى أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد، عيوننا إليك ترحل كل يوم، ترحل كل يوم، تدور فى أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد، يا ليلة الإسراء، يا درب من مرّوا إلى السماء، عيوننا إليك ترحل كلّ يوم وإنّنى أصلّى، الطفل فى المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان، يبكيان لأجل من تشرّدوا لأجل أطفال بلا منازل، لأجل من دافع واستشهد فى المداخل، واستشهد السلام فى وطن السلام».
سلاما لهذه السيدة العظيمة وأسأل الله أن يجزيها عن فلسطين والقدس خيرا، ويرحمها رحمة واسعة، ويرزقها خيرى الدنيا والآخرة.