(1)
اشتد المرض على امرأة من بنى إسرائيل يوم السبت فلم تجد بدا من الذهاب للمسيح عيسى عليه السلام ليعالجها حتى برأت من مرضها.. وبدلا من أن يفرح الكهنة بشفائها إذا بهم يغضبون غضبا شديدا وعلى رأسهم رئيس الكهنة الذى واجه المسيح بقوله: «كيف تبرئ يوم السبت؟» وهو اليوم المقدس.
فإذا بالمسيح يلقنه والأجيال كلها درسا قاسيا فى فقه المقاصد والاهتمام بالجوهر قبل المظهر.. والإنسان قبل الرسوم والأشكال قائلا: «يا مرائى أفئن سقط حمارك فى بئر يوم السبت أنقذته وأبرأته وحين يمرض إنسان تتركه فى علته إلى يوم الأحد».
(2)
قرأ الشاب الملتحى عنوان كتاب العقاد «عبقرية محمد» فألقاه غاضبا وصائحا: أين الصلاة على الرسول.. كيف لم يكتب على غلاف الكتاب عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم.. العقاد هذا الذى تفخرون به لا يحسن احترام مقام النبوة كما ينبغى.
تعجب جليسه من فعله وقوله وقصر فهمه وهشاشة عقله وسطحية تدينه قائلا له: إن كل كلمة فى هذا الكتاب العظيم تجعل كل من يقرأه يحب الرسول ويعشقه ويطبق تعاليمه وأخلاقه وآدابه.. هل نسيت أن هذا الكتاب من أوائل ما كتب فى العصر الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم كل كلمة وفقرة فى هذا الكتاب تشى وتدل على حب العقاد العظيم لهذا النبى الكريم.
ثم قال لصديقه: أنت لا تعرف فن كتابة العناوين.. إنه عنوان كتاب وليس موضوع إنشاء.
(3)
قدم بعض العراقيين على المدينة يسألون عبدالله بن عمر عن حكم دم البرغوث؟.. وهل ينجس الثوب أم لا؟.. فقال لهم متهكما من تدينهم المغشوش وساخرا من فهمهم المغلوط لحقائق الدين والحياة: تقتلون الحسين ابن بنت رسول الله بدم بارد وتسألون عن حكم دم البرغوث.
وكأنه يقول لهم: اتركوا البرغوث ودمه «فى حاله».. ولا بأس عليكم من قتله ودمائه ولا حرج عليكم فى كل ما يتعلق به حياة أو موتا.. واسألوا عن مصيبتكم الكبرى والعظمى وهى تواطئكم على قتل الحسين ابن بنت رسول الله.. وخداعكم له بالبيعات الكاذبة وعندما جد الجد تركتموه يصارع الجيوش وحيدا.
(4)
خفق عمر بن الخطاب رجلا بالدرة لأنه وجد عدة تمرات فأخذ ينادى فى الطريق: من صاحب هذه التمرات؟!!.. فكانت درة عمر بن الخطاب هى العلاج لتدينه المغشوش وهو يزجره بقوله: لا يا صاحب التقوى الكاذبة.
وفعل ذلك مع رجل وجد درهما بالشارع فنادى: درهم من هذا؟!.. وكأنه يقول لهؤلاء: إن هذه التمرات لا تستحق كل هذا الصياح.. وهذا الدرهم لا يستحق هذا النداء.
مثل هذه المشاهد جعلتنى أثق أن أزمة أمتنا الأزلية هى «التدين المغشوش».
لقد أراد المسيح أن يلقن الفريسيين واليهود والرومان درسا لا ينسوه عن التدين الحقيقى الذى يهتم بالجوهر قبل المظهر وبالثوابت قبل المتغيرات.. وبالفرائض قبل السنن.. وترك الكبائر قبل الصغائر.
أما ابن عمر فأراد أن يعالج التدين المغشوش أو الكاذب فى نفوس كل الأجيال منطلقا من هذا الدرس الذى أعطاه للعراقيين الذين يسألون عن دم البعوض بعد أن قتل بعضهم الحسين رضى الله عنه.وهذا من التدين المغشوش أيضا.
إننى أعتقد جازما أن أزمة المسلمين الحقيقية هى أن التدين فى أمتنا كثير.. ولكن أغلبه من نوعية وعينة «التدين المغشوش» الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.. فكل صراعاتنا ونزاعاتنا التى يظن الجميع أنها على الدين أو الوطن هى فى حقيقتها على الدنيا والمناصب.. ولكن الجميع يسبغ عليها نكهة التدين أو الوطنية.. ويحولها من حروب سياسية مصلحية إلى حروب دينية وطنية.
وإذا كانت داعش والقاعدة وأنصار بيت المقدس والميليشيات الشيعية التى تكفر السنة وتفجرهم هى نماذج فجة من التدين المغشوش.. فإن هناك درجات من التدين المغشوش فى كل شريحة من شرائح المسلمين لا تقل خطرا عن هذه المجموعات والجماعات.
فهل تشفى الأمة من مرضها العضال «التدين المغشوش» أم يتوطن المرض فى جسدها.. فتصبح أثرا بعد عين؟!!.