نتنياهو.. صورة من قريب - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نتنياهو.. صورة من قريب

نشر فى : الأحد 14 يوليه 2024 - 6:30 م | آخر تحديث : الأحد 14 يوليه 2024 - 6:30 م

يهتم هذا المقال بتسليط الضوء على بعض الجوانب من السيرة الذاتية لبنيامين نتنياهو، كى نفهم الأسس والعوامل التى صاغت شخصيته وأفكاره، وتوجهاته، سيما توجهه السياسى.
هو الابن الثانى للبروفيسور، بن تسيون نتنياهو، أحد المؤرخين الصهاينة المعروفين، الذين ينتمون إلى التيار الأكثر تطرفًا فى الصهيونية، المسمَّى بـ«التيار التصحيحى»، الذى أنشأه زئيف جابوتنسكى. سُمى التيار «تصحيحيًا»، لأنه اعترض على موافقة «الهستدروت الصهيونية» العالمية (تنظيم أسسه تيودور هرتسل مع انعقاد أول مؤتمر صهيونى فى بازل بسويسرا عام 1897م، ينسق نشاط كل الهيئات الصهيونية فى العالم، من أجل تحقيق هدف إقامة الدولة اليهودية) على قرار الحكومة البريطانية (صاحبة الانتداب على فلسطين بموجب قرار المجلس الأعلى للحلفاء فى مستعمرة سان ريمو عام 1920م، الذى تضمن بندًا (95) من معاهدة سايبر، يطالب بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور، وإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين على مساحة 117000 كم على جانبى نهر الأردن) باقتطاع شرق الأردن من حدود منطقة الانتداب على فلسطين عام 1920م، ومن حدود وعد بلفور، وإقامة إمارة هاشمية بها. تمسك جابوتنسكى، وفريقه «التصحيحى»، بضرورة ضم الضفة الشرقية لنهر الأردن للدولة اليهودية، واعتبارها جزءًا ما يسمى (أرض إسرائيل)، وأسس تنظيمًا صهيونيًا إرهابيًا لمكافحة هذا التوجه، هو تنظيم «إتسل» ـ التنظيم العسكرى القومى ـ الذى اتخذ رمزًا له بندقية على خلفية خريطة فلسطين، كما نص عليها قرار تعيين حدود الانتداب البريطانى على فلسطين، وحدود وعد بلفور، أى على جانبى نهر الأردن.
المعنى، أن الرجل نشأ فى بيت يؤمن بمفهوم ما يُسمَّى (أرض إسرائيل الكاملة)، وتشرب هذه العقيدة منذ نعومة أظفاره. فى كتابه: «كيف حوَّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، يقول عقيفا بيجمان، إن نتنياهو تشرَّب عقيدة جابوتنسكى عَبْر والده، الذى عرف جابوتنسكى عن كثب، وعمل، حتى، سكرتيرًا شخصيًا له، لفترة قصيرة، فى شبابه. أفرد، والد نتنياهو، المؤرخ، فصلًا كاملًا لفلسفة جابوتنسكى فى كتابه: «آباء الصهيونية الخمسة».
• • •
حين نقرأ ما تضمنه الكتاب من استشهادات واقتباسات عن جابوتنسكى ونحلل منهجه، فإن من السهولة بمكان أن نعثر على جذور التوجهات السياسية لبنيامين نتنياهو. من بين الاقتباسات، التى يوردها كتاب والد نتنياهو عن جابوتنسكى ما يلى: «لا صداقة فى أمور السياسة، وإنما هناك ضغط فقط؛ ما يحسم الأمور ليس اتسام الحاكم بالخير أو بالشر، وإنما كم الضغط الذى يمارسه الرعايا أنفسهم.. ومن ثم إذا أتى الضغط من جانب معارضينا ولم يقابله ضغط كاف من جانبنا نحن يلغيه ويتغلب عليه، فإن كل ما سيجرى فى البلاد (أى فى فلسطين) ضدنا سيحدث، حتى وإن كان من يرأس الحكومة شخصًا يُسمَّى بلفور، أو تيودور هرتسل».
يتطلب تغيير السياسات، طبقًا لفلسفة جابوتنسكى، الضغط والكفاح المستمريْن، إذ يقول: «لن يحقق الحد الأدنى من الإصلاح المرجو لصالحنا من لا يمتلك الشجاعة، أو الجرأة، أو الأهلية، أو الرغبة فى القتال، حتى وإن تشكلت حكومة من أوفى أصدقاء شعب إسرائيل. ذلك أن آلة الحكومة، تستجيب، فى المقام الأول، لقوانين الضغط الشعبى، مثلما تخضع الآلة الحديدية لقوانين الضغط المادية».
تربى بنيامين نتنياهو على هذه الرؤى والتصورات، وهو ما يلمسه القراء فى كتابه: «مكان تحت الشمس» (صادر عام 1995م وتُرجم إلى العربية)، الذى خصص فيه مساحة كبيرة لفلسفة جابوتنسكى فيما يخص «الضغط الشعبى»، التى يصفها بأنها ضرورة ضمن جهد لا يتوقف من الإقناع وممارسة الضغوط فى الساحة الدولية من أجل الدفاع عن مصالح الشعب اليهودى. يمارس نتنياهو سياسة الضغط هذه تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، التى يرى أنها «ديمقراطية حيَّة، تعمل بها كل أنواع القوى الفاعلة، وتؤثر فى صياغة سياستها».
وخير شاهد على ذلك الضغط الذى مارسه، مؤخرًا، سرًا وعلنًا، على الإدارة الأمريكية فى موضوع تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر، رغم أن ما قدمته حتى الآن لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023م، لا يقارن بأى دعم عسكرى قدمته أى إدارة أمريكية أخرى، ولا حتى بالجسر الجوى الذى قدمته إدارة ريتشارد نيكسون لها خلال حرب أكتوبر 1973م، ورغم أنها قدمت لإسرائيل، إلى جانب الدعم العسكرى غير المسبوق، دعمًا ماليًا قدره 14 مليار دولار، وتصدت للمسيرات والصواريخ الإيرانية، التى استهدفتها ليلة الرابع عشر من أبريل 2024م، وسعت وتسعى بلا كلل أو ملل، وبكل وسيلة ممكنة، إلى فرضها على المنطقة ضمن حلف إقليمى يضم بعض الدول العربية، وإلى تعزيز وضعها فى المنطقة، ورغم أنها تلتزم بالدفاع عن أمنها، وبتفوقها، النوعى والكمى، على جميع الجيوش فى المنطقة.
رغم كل هذا، اتهم نتنياهو إدارة بايدن بأنها «تؤخر شحنات الأسلحة لإسرائيل»، قائلًا لها: «أعطونا المعدات وسننجز العمل».. إنه منهج الضغط، الذى استقاه من مدرسة زئيف جابوتنسكى، مرشده الروحى. ضغط يحرج إدارة بايدن أمام الناخبين اليهود، وأمام الممولين للحملات الانتخابية، من جانب، ويلقى بالفشل فى تحقيق ما سمَّاه بـ«النصر المطلق» على هذه الإدارة. ضغط، يُسقط ورقة جو بايدن من الحسابات فى انتخابات الرئاسة القادمة، ويحترق شوقًا إلى دونالد ترمب، الذى قدم لنتنياهو خلال فترة رئاسته، فوق ما تصور، من إلغاء للاتفاق النووى مع إيران، مرورًا بما سُمى بـ«صفقة القرن»، التى لاقت هوى فى نفس نتنياهو، خاصة، واليمين الإسرائيلى، عامة، وليس انتهاءً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
يمكن القول إنه ضغط محسوب ومدروس، وليس ضغطًا عشوائيًا، أو غضبًا عابرًا. تؤكد مسيرة بنيامين نتنياهو، أنه وفى لمدرسة الزعيم الصهيونى الإرهابى، زئيف جابوتنسكى، ولمفهوم (أرض إسرائيل الكاملة)، فقد انتقد بشدة، وهو زعيم للمعارضة، اتفاقيات أوسلو (الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين فى سبتمبر 1993م)، وشارك فى كل المظاهرات، التى نظمها اليمين الإسرائيلى، ضد الاتفاقيات، وضد سياسة رئيس الحكومة، فى حينه، يتسحاق رابين، ومن أبرزها المظاهرة الشهيرة، التى جرت فى أكتوبر عام 1995م، وحمل فيها المتظاهرون تابوتًا كتب عليه: «رابين يدفن الصهيونية»، وعُرض فيها حبل مشنقة (اغتيل رابين بعدها بشهر فى نوفمبر 1995م على يد متطرف يهودى يمينى، يُدعى يجئال عامير). وقد اتهمته دوائر اليسار فى إسرائيل بأنه هيَّأ الأجواء التى أتاحت اغتيال رابين، وبأنه عرقل وأحبط مشاريع السلام التى خططت لها.
• • •
شغل نتنياهو منصب رئيس الحكومة، لأول مرة، من 18 يونيو 1996م حتى 6 يوليو 1999م، وقرر، بعد شهرين من توليه المنصب، فتح نفق فى حائط البراق، أسفل المسجد الأقصى المبارك، إرضاءً لليمينيين المتطرفين، لتوسيع دائرة ما يُسمَّى بـ(حائط المبكى)، ولتأكيد السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس، وفرض أمر واقع فيها، ولعرقلة اتفاقيات أوسلو. وسيرًا على نهج جابوتنسكى، أيضًا، فى استعمال أسلوب الاغتيالات والتصفيات الجسدية، أصدر نتنياهو أوامره للموساد الإسرائيلى باغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، خالد مشعل، فى الأردن (ألقت السلطات الأردنية القبض على عملاء الموساد بعد مباشرتهم عملية الاغتيال، وأرغمت نتنياهو على توفير الترياق الذى أنقذ مشعل من الموت).
ومن منطلق الوفاء لفلسفة جابوتنسكى فيما يخص مسألة (أرض إسرائيل الكاملة) رفض نتنياهو، وما يزال، ما اصطلح على تسميته حل الدولتين، وصرح، غير مرة، أنه لن تقوم، خلال فترة ولايته، دولة فلسطينية بأى حال من الأحوال، وسعى، جاهدًا، إلى تكريس حالة الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة كى لا يمثلا، معًا، وحدة جغرافية تشكل أساسًا لدولة فلسطينية فى المستقبل. صحيح، أنه اضطر عام 2009م، بعد ضغط من إدارة باراك أوباما، إلى إلقاء خطاب سُمى: «خطاب برإيلان»، وافق فيه، للمرة الأولى، من حيث المبدأ، على إقامة دولة فلسطينية، لكن الخطاب تضمن شروطًا تعجيزية، تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية، فى واقع الأمر، منها: أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح (أى دولة مستباحة أمام العربدة الإسرائيلية)، وأن تعترف بإسرائيل بوصفها دولة للشعب اليهودى (ما يعنى طرد نحو 2 مليون فلسطينى وفلسطينية من فلسطينيى الداخل، يمثلون هاجسًا للدولة الإسرائيلية)، وعدم التنازل عن أى أجزاء من مدينة القدس وجعلها موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل (بما فى ذلك القدس الشرقية وما يستتبع ذلك من تبعية الحرم القدسى الشريف لها)، وتنازل الشعب الفلسطينى عن حق العودة، وأن يكون لإسرائيل الحق فيما يُسمَّى بـ«النمو الطبيعى» بالمستوطنات القائمة فى الضفة الغربية (استمرار سياسة التوسع الاستيطانى).
• • •
من الواضح أن النشأة فى كنف أسرة تنتمى لأكثر التيارات الصهيونية تطرفًا (التيار «التصحيحى») وإيمانًا بعدم التفريط فى أى جزء مما يُسمَّى بـ(أرض إسرائيل الكاملة)، واقتناعه بفلسفة زئيف جابوتنسكى وبنهجه الاستقوائى، كان لهما أثر كبير فى صوْغ شخصية بنيامين نتنياهو. فى الحرب الحالية على غزة، تقاطعت عوامل النشأة والتأثير مع المصالح الشخصية للرجل، ومع حرصه على البقاء السياسى، والإفلات من المساءلة، ودفعتاه إلى الإصرار على الاستمرار فى الحرب إلى ما لا نهاية، وجعلها فى حد ذاتها، غاية، رغم تحذير كثير من الساسة وبعض العسكريين.

أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة

 

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات