جدوى الانتقال الديمقراطى دون مصالحة - جيهان العلايلي - بوابة الشروق
السبت 28 ديسمبر 2024 7:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جدوى الانتقال الديمقراطى دون مصالحة

نشر فى : السبت 14 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 14 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

للأسف اجتزنا منعطفا خطيرا وأُدخلنا فى فخ الاغتيالات السياسية. فمحاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم فى 5/9 تمثل تصعيدا ينذر بتوسيع دائرة الارهاب خارج سيناء لينتقل إلى قلب العاصمة. وقد تبنت جماعة «أنصار بيت المقدس» الجهادية العملية وهددت بالمزيد ضد قادة الجيش والشرطة ورموز الإعلام.

 ويثير التهديد بإحداث «فوضى لا قواعد لها» فى مصر كما جاء ببيان الجماعة الإسلامية فى 31/7 القلق على المسار الانتقالى برمته. نتسائل إزاءه حول كلفة التصعيد الأمنى دون وجود مسار سياسى جاد يتم فى إطاره معالجة الخلاف الحاد مع جماعة الإخوان المسلمين الرافضة لثورة 30/6 وما تبعها من خارطة الطريق.

تحتاج جماعة الإخوان بشكل جاد إلى أن تقدم اعتذارا للشعب المصرى وإلى نبذ العنف بكافة اشكاله وإجراء مراجعات فكرية عميقة للفكر التكفيرى الذى يحرض على قتل المعارضين مما يستحيل معه العيش المشترك.

 ولكن على من بيده السلطة أن يعى قبل فوات الأوان أن العنف ككرة الثلج تكبر وهى تتدحرج حتى تنفجر فى وجه الكل. وعليه أن يسأل نفسه هل معركة تكسير العظام مع جماعة الإخوان وحلفائها التى يخوضها الجيش والشرطة بمباركة جزء كبير من الشعب هى الحل؟ وهل إقصاء الإخوان من المشهد السياسى وربما إنهاء وجودهم الدعوى كجماعة ممكن؟

 هل مصر وهى تحاول تعديل مسار الثورة يمكن ان تكون بمنأى عما يحدث حولها من عنف مزق العراق وفكك الدولة فى ليبيا ويأبى أن يفارق أهل سوريا؟

●●●

اعلم أن أى حديث عن مصالحة وطنية مع الإخوان (من لم يقترفوا جرائم) هو اقرب فى الوقت الحالى إلى حديث الإفك وسط المواجهات العنيفة الدائرة فى سيناء والأقل حدة فى ربوع مصر.

ولكنه امر لا يجوز الاستهانة به درءا للأخطار المحدقة بمصر وحماية للسلم الأهلى وفكرة العيش المشترك. والامر يتعدى عدم الاقصاء ووقف خطاب الكراهية ضد الإخوان إلى ضرورة الكشف عن حقيقة ما جرى خلال الفض فى رابعة والنهضة وباقى الاحداث الدموية ومنها ما تورط فيه الإخوان.

 وقد وعدت السلطة الانتقالية بإجراء تحقيق مستقل فأين الإرادة السياسية لإنفاذ ذلك؟ وقد كان أولى بكبار المسئولين انتظار نتائج ذلك التحقيق بدلا من التورط فى تصريحات تفيد بأن فض اعتصامى رابعة والنهضة تم «وفقا للمعايير الدولية».

وأد الحقيقة يُغيَب أى اساس للمصالحة الوطنية ويُفقد الثقة فى العملية السياسية برمتها. فهناك 869 شخصا قتلوا فى رابعة ومحيطها و88 فى النهضة خلال فض الاعتصامين بالقوة. وقد قتل أيضا 42 شرطيا خلال المواجهات مع انصار الإخوان فى محافظات مختلفة من مجموع 1350 قتيلا فى يوم واحد هو يوم 14 أغسطس.(أرقام الضحايا احصاها موقع ويكى ثورة الذى يوثق ضحايا الثورة منذ 25 يناير 2011).

مرة ثانية وأد الحقيقة يرسخ خطاب المظلومية ــ «فوضتم السيسى فقتلتمونا» ــ ويفتح الباب لفتاوى الانحراف الدينى التى تؤسس لعنف واسع شاهدنا آثاره فى محاولة اغتيال وزير الداخلية وفى التحذير من عمليات مستقبلية.

●●●

نخاف على مصر وعلى سلمية ثورتها من القسوة وانعدام الإنسانية إذ بدأ يعتاد أبناؤها مشاهد القتل وباتوا يطلبونه ويباركونه تارة باسم الدين واخرى باسم الوطنية.

أليس هذا هو الوقت لطرح رؤية سياسية تكسر الجمود وتقدم حلولا بدلا من أحادية التعامل الأمنى والانبطاح امام مقتضياته. ما زالت مبادرة الدكتور زياد بهاء الدين تقدم افضل طرح على الساحة امام الإخوان للانضمام إلى المسار الانتقالى بشروط الالتزام «بالقانون وبخارطة الطريق وبنبذ العنف أو التحريض عليه». لم يقبلها الإخوان إلى الآن ولكن يبدو أنها غير مرحب بها من الاصل من قبل بعض جهات الحكم التى تفضل إعمال التفويض على وقع مقوله «افرم ونظف البلد من الارهاب».

وإذا راجعنا بعض الشيء العدالة الانتقالية والمصالحات الوطنية التى حدثت فى كثير من الدول يتضح لنا كم الاقاويل غير الصحيحة التى يتم تداولها الآن فى مصر.

أولا: العدالة الانتقالية سواء أدت إلى المصالحة الوطنية أم لا لن تتحقق بعمل كيان وزارى يرمى إلى احتوائها سياسيا.

 ثانيا: العدالة الانتقالية تستمد شرعيتها من كونها مسارا تشاركيا لا إقصائى يُبنى على اسس ديمقراطية وبمشاركة الضحايا ومختلف القوى السياسية والمجتمع المدنى.

ثالثا :هدف هذه الشراكة هو معرفة الحقيقة التى كانت غير معلومة أو متاحة فى السابق حول الانتهاكات الجسيمة التى حدثت فى فترة ما لإصلاح الذاكرة ومداواة جراح الماضى بما يفتح باب الصفح والمصالحة ويرسخ مبادئ دولة القانون.

رابعا: وهذا هو الاهم المصالحة السياسية هى اقرب إلى صفقه شاملة بين قيادات تحاربت ولكنها أيقنت بعد ان سال دم كثير على الارض أنه لابد من إعادة ترتيب الاوضاع والانتقال من وضع الكل فيه خاسر الى وضع يحقق السلم ويضمن العيش المشترك.

●●●

 المشهد هنا فى مصر لا يوجد به سوى معادلات صفرية ــ يا غالب يا مغلوب وحالة من التطاحن السياسى وصعود فى منحنى العنف. الإخوان يحلمون بإعادة عقارب الساعة إلى الماضى حيث كانوا على رأس السلطة بينما يعمل القائمون على الحكم حاليا أو جزء منهم على إقصائهم عن المستقبل. 

والمصالحة لا تتحقق بالضرورة كما يظن الكثيرون عن طريق المحاكمات للجناة ورفع المظلمة. فالعدالة والمصالحة ليستا بالضرورة صنوانين متلازمين.

 فالمصالحة فى الجزائر فى 2005 تمت على اساس إفلات الجيش من العقاب والعفو عن الإسلاميين من لم يتورطوا فى انتهاكات جسيمة وبوقف الملاحقات للمطلوبين منهم وبدفع تعويضات. ولم تساعد الـمصالـحة الوطنية على مداواة جراح الماضى أو إصلاح الذاكرة الوطنية. وبخلاف المنهج الجزائرى اختارت رواندا أن تُحاكم الآلاف من تورطوا فى جرائم الإبادة ولكنها بلد غير متصالح.

 وتقدم جنوب افريقيا حالة فريدة من نماذج العدالة الانتقالية المبنية على منهج العدالة التصالحية «restorative justice» لا العدالة العقابية. هذه العدالة التى جاءت كجزء من حل سياسى تعتبر المصالحة رحلة اخلاقية أليمة ولكن لا بديل عن خوضها بشراكة بين اطرافها ــ الجانى والضحية والمجتمع ــ لتصويب وجهة الحكم من نظام قائم على القمع إلى آخر قائم على المساواة والعدل واحترام كرامة الانسان. لذا فقد ربطت مفوضية الحقيقة والمصالحة العفوعن الجناة فى غير الجرائم الجسيمة بشروط أهمها الإفصاح الكامل عن اسباب وطبيعة الجريمة وما إذا كان مربوطة بنظام الابارتيد أم لا. وقامت اللجان المختلفة بالإنصات للضحايا لجبر الخاطر ورد الاعتبار وقدمت التعويضات لهم.

أما المجتمعات التى لا يزال من ارتكبوا جرائم جسيمة يتمتعون بالسلطة أو لهم قاعدة شعبيه لا تسمح بمحاكماتهم فهناك طريق المقاومة السلمية والدعم الحقوقى والاستعانة بمنظومات عدلية إقليمية أو دولية لرفع القضايا والمطالبة بإبطال قوانين العفو التى تحمى الجناة.

وتقدم الارجنتين أوضح النماذج هنا. فلم تبدأ بجدية محاكمات العسكر المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة اثناء الحرب القذرة 83-75 إلا بعد مرور اكثر من عشرين عاما على أول محاولة وذلك تبعا للتغير الذى طرأ على موازين القوى.

اتمنى أن تعطى المصالحة الوطنية فى مصر قدرها المستحق. فالمصالحة ليست عملية جبر خواطر ودفع تعويضات تقوم بها هيئة بيروقراطية. وهى صفقة تضم جميع من لهم قواعد شعبية شريطة التوافق حول الانتقال من نظام قمعى إلى آخر قائم على العدل والمساواة واحترام آدمية الانسان.

 

صحفية مصرية

جيهان العلايلي  صحفية مصرية
التعليقات