مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى.. عن فرضية استبدال الله بالإنسان - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى.. عن فرضية استبدال الله بالإنسان

نشر فى : السبت 15 فبراير 2020 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 15 فبراير 2020 - 8:20 م

فى الجلسة الأولى لمؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى والتى ترأسها أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى، طرح ثلاثة من المتحدثين أفكارهم ومداخلاتهم بخصوص قضية التجديد. جاءت المداخلة الأولى من الشيح محمد عبدالرحمن آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية من دولة البحرين، والمداخلة الثانية كانت من د. محمد الدين شمس الدين رئيس المركز الاستشارى لعلماء إندونسيا، والمداخلة الأخيرة من الدكتور محمد المحرصاوى رئيس جامعة الأزهر الشريف.
جاءت المداخلة الأولى للدكتور محمد آل خليفة مختصرة وفى معظمها سجعية واستمرت لمدة ١٠ دقائق لكنها لم تطرح أى جديد أو تشتبك مع قضية التجديد بعمق، مكتفية بالتأكيد على التزام البحرين قيادة وشعبا بقضية التنوع فى إطار وسطى، مؤكدا على بعض العبارات التقليدية دون طرح أى مضمون يذكر مثل التأكيد على الجميع بين الأصالة والمعاصرة، وسطية الإسلام، ضرورة الموازنة بين الانفتاح ووضع إطار ثقافى للانفتاح وبين الحفاظ على القرآن والسنة والتراث، مؤكدا على دعم البحرين لجهود الأزهر فى دعم قضية التجديد ومستعيرا أكثر من جملة قالها شيخ الأزهر فى مناسبات متنوعة بخصوص قضية التجديد داعيا بالسداد وحفظ الله للقيادتين السياسيتين فى البحرين ومصر.
***
أما مداخلة الدكتور محمد الدين شمس الدين فقد جاءت أكثر قوة وطرحت العديد من الأفكار المتعلقة بالتجديد فى إطارين سياسى واقتصادى من خلال عرض تجربة إندونسيا فى تجنب إقامة الدولة الدينية وفى نفس الوقت الحفاظ على القيم الإسلامية. شرح الدكتور شمس الدين المبادئ الخمس التى قامت عليها التجربة الإندونيسية الحديثة: والمعروفة باسم البانتاشا سيلا: (١) الألوهية الواحدة. (٢) الإنسانية العادلة. (٣) وحدة إندونسيا. (٤) العدالة الاجتماعية لكل الإندونيسيين. (٥) الشعبية الموجهة بالحكمة فى الشورى النيابية (الديموقراطية التمثيلية).
أكد الدكتور شمس الدين فى مداخلته على عدة مبادئ هامة فى قضية التجديد مركزا على الجوانب السياسية وفى القلب منها قيم المواطنة والمساواة التامة بين كل أبناء الشعب الإندونيسى من مختلف الديانات فى الحقوق والواجبات، مؤكدا على الديموقراطية وأهميتها فى ظل الالتزام بالقيم الإسلامية وتأكيده على مبدأ «الوحدة فى التنوع» باعتبار أن الإسلام هو بالأساس دين تعايش.
وعلى الرغم من أهمية كلمة الدكتور شمس الدين لأنها جاءت فى صلب قضايا التنوع وحقوق المواطنة الكاملة لكل المواطنين بغض النظر عن أديانهم، فإن ما يعيب المداخلة هو خلطها للعديد من المفاهيم والتصميم على وضع الإسلام فى مواجهة مع الاشتراكية والليبرالية، فضلا عن استخدامه أساليب تعميمية لا تليق أبدا بمحفل علمى يقوم على الأبحاث والمداخلات والتعقيبات، مثل حديثه عن فساد العالم والحضارة الإنسانية بأسرها بسبب الليبرالية هكذا دفعة واحدة! ومن ثم مسئولية المسلمين عن إصلاح هذا الفساد العالمى عن طريق تقديم إطار حضارى ورؤية مختلفة ــ لاحظ أن هذا الكلام يوحى ضمنا بأن الإسلام مطالب بتقديم إطار غير ليبرالى لإصلاح الحضارة الإنسانية، على الرغم من أن طرح الدكتور شمس الدين عن التجربة الإندونيسية فى الحكم هو فى صلب قضية الليبرالية! ثم حديثه عن أن إندونسيا قررت أن تتبع القيم الإسلامية اقتصاديا القائمة على الأسرة والتعاون المتبادل دون اللجوء إلى الاشتراكية أو الرأسمالية! ولا نفهم ما هو التناقض بين التأكيد على قيم الأسرة والتعاون المجتمعى وبين الاشتراكية مثلا أو حتى بين الرأسمالية المسئولة مجتمعيا؟ مع العلم بأن نظام إندونسيا الاقتصادى قائم بالفعل على الرأسمالية التى تقودها الدولة، وهو دليل قوى على عدم اهتمام بعض علماء المسلمين بتدقيق المصطلحات وفهمها بشكل متعمق بعيدا عن سذاجة أطروحات خطباء الزوايا وشيوخ الكتاتيب شديدة السطحية والتعميم!
***
ثم جاءت مداخلة الدكتور محمد المحرصاوى رئيس جامعة الأزهر والتى قامت بتلخيص عدد من الأوراق التى كتبها مجموعة من العلماء منهم الدكتور محمد عمارة والدكتور عباس شومان وغيرهم، وقد أكدت الأوراق البحثية ــ التى لم أتمكن من التوصل إليها مكتوبة حتى لحظة كتابة هذه السطور بسبب عدم تمكنى من الدخول على الموقع الرسمى للأزهر الشريف للأسبوع الثانى على التوالى ــ على مجموعة من النقاط سردها الدكتور المحرصاوى ويمكننى رصد أهمها فيما يلى:
ــ أن التجديد هو لازم من لوازم الشريعة الإسلامية.
ــ التجديد يصطحب الثوابت والمتغيرات ويحافظ على الأصول ويجدد فى الفروع. لا يكون فى الأحكام قطعية الثبوت ولكن فقط يكون فى الأحكام الظنية.
ثم أضاف الدكتور المحرصاوى نقطة فى منتهى الخطورة وعدم الدقة فى الوقت نفسه، حينما قال ــ نقلا عن الأوراق ــ أن التجديد فى الحداثة الغربية انقلب على اللاهوت الدينى وكان يقرأ النص الدينى بهدف تفريغه من مضمونه بحيث جعل الإنسان بدلا عن الله هو محور الكون، والعزل الشامل للسماء عن الأرض من خلال العلمانية الشاملة!
والحقيقة لا أريد الحكم على ملخص شفوى لورقة علمية لم أقرأها، ولكن ما قاله الدكتور المحرصاوى عن الحداثة الغربية يقع مرة أخرى فى أخطاء التعميم والقراءة غير المتأنية واستسهال الأحكام، فليس صحيحا أن التجديد فى الغرب قد انقلب على اللاهوت، الانقلاب كان بالأساس على رجال الدين وعلى احتكارهم الحديث باسم اللاهوت، وهذا الانقلاب كان بهدف كسر كهنوت الكنيسة واحتكارها للحقيقة واحتقارها للعلم، وليس صحيحا على الإطلاق أن الجانب الوحيد من الحداثة الغربية ــ والتى كانت أهم نتائج التجديد ــ هو الرغبة فى الفصل بين السماء والأرض أو استبدال الله بالإنسان، هذا مجرد مظهر واحد من مظاهر الحداثة لكن هناك إغفال لمظاهر أخرى كثيرة لم تهدف إلى استبدال الله بالإنسان، ولكن هدفت إلى تحجيم دور الكنيسة ورجال الدين كون أنهم وعبر التاريخ البشرى أداة من أدوات التسلط والديكتاتورية والتخلف الحضارى، ولا يمكن أبدا إغفال أن هذا التجديد الذى أدى إلى هذه الحداثة هو الذى ساعد على الثورة الصناعية والعلمية والسياسية والفنية وكلها أركان تقدم الحضارة الغربية فى مقابل تأخر الحضارات الأخرى ومن ضمنها الحضارة الإسلامية!
وطالما أن الورقة قد ذكرت «العلمانية الشاملة» فبكل تأكيد يعلم علماؤنا الأفاضل ممن شاركوا فى كتابة هذه الأوراق أن هناك علمانيات جزئية، ومن الناحية الإمبريقية البحتة فإن معظم دول العالم الغربى باستثناءات محدودة للغاية مثل فرنسا وهولندا، ليس فيها هذه العلمانية الشاملة، وليس فيها استبدال لله بالإنسان ولا فصل السماء عن الأرض، ولكن فيها علمانيات جزئية تقبل بالدين وتقبل بالإله وتقبل باللاهوت، ولكنها تجعل الدولة جهازا محايدا مع جميع المواطنين، فالكل أمام الدولة سواء دون تمييز دينى، فلماذا إغفال كل هذه الجوانب والتركيز فقط على النسخة المتطرفة من العلمانية وتصويرها وكأنها النتاج الوحيد للتجديد فى التجربة الغربية الحداثية؟.
تحدث الدكتور المحرصاوى أيضا على ما يبدو أنه التخوف الأكبر لمعظم المشاركين فى المؤتمر من أفراد وهيئات ومنها مؤسسة الأزهر الشريف على أن التجديد «صناعة دقيقة» لا يجب أن يقوم به إلا «الراسخون فى العلم» وإلا تحول التجديد إلى تبديد! مؤكدا على التحديات التى يتعرض لها التجديد من رفض الجماعات المتطرفة والإرهابية، ونقص الدعم المالى لعدم دعم رجال الأعمال لجهود التجديد ماليا ــ علما بأنى أدعى أننى لم أفهم تحديدا المقصود هنا ــ ثم التحديات السياسية كون أن المشتبكين مع قضية التجديد من الأحزاب والسياسيين يعملون على تحقيق أجندتهم الضيقة، مطالبا فى النهاية علماء الدين والأزهر بعدم الانخراط فى السياسة.
انتهت الجلسة الأولى، وسأتناول فى المقالة القادمة مداخلات الجلسة التالية، على أن أرد على ما أراه مغالطات أو تعميمات أو مخاوف فى غير محلها فى مقالة ختامية لاحقة.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر