صادفت بعض مدعى الاشتراكية يحبون المال حبا جما ولا يطيقون خدمة يتيم أو فقير أو مسكين.. وعندما قابلت د. عزازى قدرا فى إحدى القنوات شعرت أن رباطا إيمانيا يصل قلبى بقلبه.. فقد أسعدنى الحظ يومها أن أجالسه فترة طويلة.. وكما أن أهل الدنيا أو المال تتعارف نفوسهم.. فكذلك أهل الزهد يقرأ بعضهم بعضا.
فبنظرة واحدة لوجه د. عزازى تدرك أنه لفلاح مصرى أصيل حتى وإن أدرك أرقى الشهادات وأعلى المناصب.. أذهلنى كراهيته للسياسة وعزوفه عنها.
وأدهشنى قوله: «يارب خد جميع السياسيين وكذلك المنافقين فى مصر فقد أصبحوا عبئا عليها ويارب احفظ كل الكادحين والعاملين فى كل المجالات».
تعجبت لقوله وتفكرت فيه وقلبته على أوجهه فمصر لن تضار كثيرا لو اختفى السياسيون منها.. وستستريح لو قبض الله منافقيها دفعة واحدة.
أما أهل الكدح الحلال والأيدى الخشنة من العمل فهؤلاء أهل العطاء الذين لا ينالون من غنيمة الوطن شيئا.
قلت لنفسى: لقد خلص الرجل لذلك فى آخر أيامه وأصفاها وأنقاها.. قبل أن يذهب إلى الصين لإجراء زراعة كبد بدلا من كبده الذى تعب من كل أدواء مصر بدءا من البلهارسيا وفيروس سى ونهاية بالأدواء السياسية التى تمرض الأسود فى مرابضها.. ولكن الرجل مات هناك.. وجاء محمولا على الأعناق.. وأرجو أن يدركه النصيب الأكبر من بشارة النبى لمرضى الكبد والاستسقاء ومن شابههم «المبطون شهيد».
لقد كانت بداية تعرفى عليه مع ابنى وتلميذى الداعية الشاب نور الدين داخلى.. فخرجنا معًا من لقائه بانطباع واحد هو أن هذا الرجل يحب الدين والوطن والفقراء.. وكان نور الدين يرسل له رسائل إيمانية عن الآخرة والرغبة فيها والزهد فى الدنيا.. فكان يسعد بهذه الرسائل ويقول لنور: «كلمنى كثيرا عن الآخرة وأى شىء يذكرنى بالآخرة فهو جميل لأن الآخرة جميلة» إنه شعور المقبل على ربه المحسن الظن بربه.
لقد تفكرت طويلا فى أمر د. عزازى وقلت فى نفسى إن هذا الرجل الزاهد محسوب على القوى المدنية وبينه وبين الإسلاميين خصومة سياسية.. هذه الخصومة لا علاقة لها بالدين ولكنها خصومه فى السياسة والحكم.. فليست خصومته مع القرآن أو السنة أو مع الله أو الرسول.
ترى لو أننى لم أكن عرفته عن قرب وأدركت زهده ونقاء سريرته ترى ماذا سيكون حكمى عليه ورأيى فيه؟.. وهل تستحق السلطة والسياسة كل هذا الفراق بين أهل الدين والوطن والقبلة الواحدة؟
لقد كتب د. عزازى على صفحته على تويتر «الحرية لبنات إسكندرية» رغم أنهن تابعات لتنظيم الإخوان.. فلما سأله نور الدين قال: «هؤلاء مثل بناتنا إنها قضية مبدأ فى الأساس».
ومن كلماته العجيبة التى سمعتها منه «أنا لا أثق فى رجال الفن كثيرا والفن حمَّال أوجه».
إن أهم ما لمسته فى د. عزازى أن له حظا من اسمه كما أنه صادق مع نفسه فى اختياراته بصرف النظر عن صحة هذه الاختيارات أم لا.
المهم أنها كانت تصدر من قلبه ويقينه وليست نابعة من ذهب فلان أو خائفة من سيف فلان.. فقد استقال من منصبه كمحافظ للشرقية.
لأنه كان يرى عدم قناعته بالعمل مع د. مرسى أو الفريق شفيق.. مضحيا بمنصب ومرتب كبير يسيل له لعاب الكثيرين فى مصر.
لقد كان يكرر دائما «الدولة المصرية تؤله أى أحد» أى تتفنن فى خلق الفراعنة حتى وإن لم يكونوا يعرفون عن الفرعنة شيئا.
لقد كرر فى الأشهر الأخيرة بعد عزل مرسى «إن ترشح عسكرى للرئاسة فيه ظلم للمرشح نفسه وللجيش وسيضر بالعملية السياسية الوليدة بعد الثورة».
لقد عاش الرجل فى مسكن بسيط قانعا بما آتاه الله راضيا بالقليل الذى يبقى تاركا للكثير الذى يفنى.. رحم الله الجميع أحياء وأمواتا.