فى يوم مولدك يا رسول الله نجدد لك الولاء والبيعة والمحبة والمتابعة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ونقول لك فى يوم مولدك رغم تقصيرنا فى حقك وإسرافنا على أنفسنا إلا أنك أحب إلينا من أهلنا وأولادنا وأنفسنا والناس أجمعين.
ورغم أننا قد لا نستطيع تطبيق ذلك فى واقعنا فى بعض الأحيان إلا أن هذا الحب والولاء العظيم هو ما عقدنا عليه قلوبنا وما استقر فى نفوسنا ووجداننا.
نعاهدك يا سيدى يا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ألا ننشغل بالجزئيات عن الكليات.. أو بالفروع دون الأصول.. وألا نحول الخطأ إلى خطيئة.. والصغيرة إلى كبيرة.
ونعاهدك يا سيدى يا رسول الله ألا تلهينا المسائل الفرعية عن قضايا أمتنا المصيرية.. فلا ندع أوقاتنا وجهودنا يأكلها الجدل والمراء فيما لا طائل من ورائه.. أو الصراع والتشاحن والتنابز حول فرعيات فقهية أو فكرية لا طائل من حسمها.. لأنها محل للتعددية المحمودة.
فلن نكون يا سيدى أبدا ممن يسألون عن دم البعوض.. ودم ابنك الحسين مراق.
أو الذين يتراشقون بالسباب من أجل خلافات فقهية أو فرعية وبلاد المسلمين محتلة أو مهددة بالتقسيم وذوبان الهوية.
نعاهدك يا سيدى يا رسول (صلى الله عليه وسلم) فى يوم مولدك أن ندافع عن الإسلام وأوطاننا وأن نضحى من أجلهما بالغالى والرخيص والنفس والنفيس.. حتى يدركنا الموت.
ونعاهدك أن نعطى كل ذى حق حقه.. فلديننا حق علينا.. وكذلك جيراننا ومواطنينا من المسلمين وغير المسلمين.
ونعاهدك أن نلتزم بوسطية الإسلام وعدله.. دون إفراط أو تفريط.. أو غلو أو تقصير.. أو زيادة أو نقصان.
ونعاهدك أن نعترف بأخطائنا.. وأن نصحح مسيرتنا باستمرار.. وألا نغضب ممن يسدى لنا نصحا أو توجيها أو نقدا بناء.. وألا نغضب إلا لديننا وشريعتنا.
نعاهدك أن نعدل حتى مع خصومنا ومخالفينا.. ومع من يظلمنا.. ومع المسلمين وغير المسلمين.. ومع الصالحين والفاسقين.
فبالعدل قامت السماوات والأرض.. وبالعدل وللعدل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل.. وإن الله يقيم الجماعة العادلة حتى لو لم تكن مسلمة.. ويزيل الجماعة الظالمة حتى وإن كانت مسلمة.
فبالعدل أتيت يا رسول الله.. وبه حكمت وأمرت.. وبه سدت على العالمين.
نعاهدك يا سيدى يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نمد أيدينا ونفتح قلوبنا لكل من يريد الخير للإسلام والأوطان والمجتمع.. وأن نعاون كل من يحافظ على بلادنا وأوطاننا ويرعى حرمتها.. ويحافظ على هويتها ويمنع ذوبان هذه الهوية.
نعاهدك أن نتمسك بالدعوة إلى الله كما دعوت بالحكمة والموعظة الحسنة وبالرفق.. وأن يكون شعارنا مع العصاة والشاردين.. «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون».
وأن نحافظ على طهارة منبرك ودعوتك من الأغراض والأهواء والشهوات والشبهات.
وأن تكون دعوتنا للإسلام متجردة لله.. لا ننتظر أجرا من أحد.. وألا نطلب مقابلا لهذه الدعوة من أحد.. وأن يكون شعارنا فى دعوتنا: «قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَا الْمَوَدَةَ فِى الْقُرْبَى».
فالمقياس الحقيقى لقوة الدعوة وقبولها ليس بكثرة كلامها أو علو صوتها ولكن بقدر إخلاصها وتجردها.
نعاهدك يا سيدى يا رسول الله أن نسعى دائما أن نكون دعاة لا قضاة.. ودعاة لا بغاة.. وأن نعمل بالمثل العظيم: «اجنوا العسل ولا تكسروا الخلية».
فالداعية العظيم هو الذى يجنى العسل بهدوء ورفق.. دون أن يزعج النحل أو يقتله أو يشرده.. ودون أن يكسر الخلية ويسكب العسل على الأرض.
وأن نكون ممن يجمع ولا يفرق.. ويبشر ولا ينفر.. وييسر ولا يعسر.. ويحبب الناس فى الإسلام والدين ولا يبغضهم فيه.. ويجذبهم ولا يطردهم.. يعين الناس على شيطانهم ولا يعين الشيطان عليهم.
فى يوم مولدك يا رسول الله نعاهدك ألا يكون جل اهتمامنا بهدديك الظاهر مثل اللحية ونحوها فقط.. ولكننا نعاهدك على إصلاح بواطننا وقلوبنا وضمائرنا.. وأن نهتم بغسل وتنظيف هذه القلوب أكثر من خمس مرات يوميا.. كما نتوضأ كل يوم خمس مرات ونغسل فيها جوارحنا بعناية.
فالقلوب أولى بالنظافة من الجوارح.. والنفوس أولى بالطهارة من الملابس.
نعاهدك يا سيدى يا رسول الله فى يوم مولدك أن نعيش دوما مع قولك الكريم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
نعاهدك أن نسعى لإصلاح قلوبنا قبل جوارحنا.. وإصلاح باطننا قبل ظاهرنا.
نعاهدك ألا نهمش دعوتك العظيمة فى المظهر دون الجوهر.. وفى الشكل دون المضمون.
نعاهدك أن ننشغل بالبناء عن الهدم.. وبالعمل عن الجدل.. وبالجمع عن التفريق.
نعاهدك أن نحرص على الواجب الشرعى فلا نضيعه.. وأن نهتم بالواقع العملى فلا نهمله.
فمن أهمل الواجب الشرعى فقد ضيع دينه وقصر فى حق ربه.. وأهمل أمر ربه وأمر رسوله (صلى الله عليه وسلم)، أما من يهمل الواقع ولا يدركه ولا يعرفه فقد غفل عن الواقع الذى تعمل فيه النصوص الشرعية.. فهذه النصوص لا تعمل فى فراغ.. ولا تطبق فى الهواء.. ولكن كل نص شرعى من كتاب أو سنة يتناسب مع واقع معين.
ومن أخطأ قراءة النص الشرعى أو أخطأ فى قراءة واقعه فإنه سيخطأ بالتأكيد فى العمل للإسلام وبالإسلام.. وسيقع فى سلسلة متواصلة من السلبيات والأخطاء.. وهذه الأخيرة قد تضيع دعوته ليخرج منها خالى الوفاض.
نعاهدك يا رسول الله فى يوم مولدك أن ندور مع الإسلام حيث دار.. ومع الشريعة حيث كانت.. ولا ندور حول ذواتنا أو هيئاتنا أو جماعاتنا.
فمن دار حول الإسلام والشريعة ربح ونجح فى الدارين.. ومن دار حول ذاته فشل وهزم.. وفسد وأفسد.
نعاهدك يا سيدى يا رسول الله فى يوم مولدك أن نكون ثابتين على ثوابت الإسلام.. ومتغيرين مع متغيراته.
أن نكون ثابتين مع أخلاقه وعقيدته وغاياته الكبرى وأركانه المعروفة.. وأن نكون متطورين ومتغيرين مع الوسائل والآليات لإقامة الدين فى دنيا الناس.
وأن نكون مع ثوابت الإسلام فى صلابة الحديد.. ومع متغيراته فى مرونة الحرير.
نعاهدك يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نفرق بين الأصول والفروع.. وبين الثوابت والمتغيرات.. فلا نقيم الدنيا ونقعدها من أجل فروع فقهية اختلف فيها السلف والخلف.. وقد لا يحسم الرأى الفقهى فيها حتى قيام الساعة.
نعاهدك ألا نتعصب ولا نخاصم ولا نشق صف المسلمين من أجل قضية فرعية فقهية لا ضرر من الخلاف فيها.. فالخلاف الفقهى فى الفروع هو مصدر ثراء للفقه الإسلامى وتوسعه على المسلمين ورحمة بالناس وحلا لمشكلات مجتمعية وإنسانية بل ودولية كثيرة.
فلولا أن هناك خلافا فقهيا معتبرا فى مسائل الحلف بالطلاق لطلقت معظم نساء مصر.. أو عاشت فى الحرام.
نعاهدك أن نحول ذكرى مولدك لإقامة سنتك فى الأرض.. وأن نحول هذه الذكرى لمحاربة كل ما تكرهه وتبغضه فينا يا سيدى يا رسول الله.. نحارب الرشوة والفساد.. والكبر والحقد والحسد بين الناس.. ونواجه الجريمة والمنكر.. وعقوق الوالدين.. ونتحدى الظلم بكافة أنواعه.. ونعين اليتيم والمسكين والمريض والأرملة والمصاب.
نعاهدك يا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أن نعيش لإسلامنا وديننا وأوطاننا ومجتمعاتنا.. وألا نعيش لأنفسنا أو نتمحور حول دنيانا.
«خير الناس أنفعهم للناس».
وأن نرحم الناس كل الناس.. عسى الله أن يرحمنا متأسين بقولك العظيم.