الهجمات السيبرانية.. أسلحة المستقبل الفتاكة - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهجمات السيبرانية.. أسلحة المستقبل الفتاكة

نشر فى : الإثنين 15 نوفمبر 2021 - 9:00 م | آخر تحديث : الإثنين 15 نوفمبر 2021 - 9:00 م
زادت أسعار الوقود فى نوفمبر 2019 فى إيران وأدت إلى موجة تظاهرات حاشدة استمرت لأسابيع وأثرت سلبا على صورة النظام المستقر. ومنذ أسابيع قليلة، ومواكبة للذكرى الثانية لتلك الأحداث، أدى هجوم سيبرانى إلى شل الغالبية العظمى من محطات الوقود فى إيران مما جعل السيارات تصطف طوابير طويلة أمام المحطات، فى مشهد كرر ما شهدته البلاد من قبل. وتسبب ذلك فى موجة استياء بين المواطنين الذين اضطر معظمهم لترك السيارات واستعمال سبل المواصلات العامة، وتأخر الكثير من المصالح. وبدورها أفادت القناة الحكومية الإيرانية إلى أن فنيى وزارة النفط يعملون على إصلاح العطب الذى أصاب محطات الوقود، وفى نفس الوقت، طمأن وزير الداخلية المواطنين بأن الحكومة لا يوجد لديها أى خطط لزيادة أسعار الوقود، فى محاولة لاحتواء استياء المواطنين قبل ان يتفاقم الوضع. حدث هذا فى بلد من أكبر منتجى النفط عالميا، ولكن تعانى صادراته النفطية من التضييق بسبب العقوبات الأمريكية. وتمثل صادرات الطاقة حوالى 50% من صادرات إيران، والباقى صادرات صناعية وزراعية. ومن غير المرجح أن تحدث انفراجة فى عائدات إيران من التصدير إلا بعد الوصول إلى اتفاق يجدد الاتفاق النووى مع الغرب، المعروف بـ6+1.
ونعود لما حدث فى إيران مساء يوم 26 أكتوبر الماضى، حيث تعطل نظام التشغيل الذكى المخصص لتشغيل محطات الوقود فى إيران عن العمل، وهو نظام يعمل إلكترونيا، حيث تتيح البطاقات الذكية لجمهور المستخدمين الحصول على عدد من لترات البنزين المدعمة شهريا، وما فاق هذه الكمية يدفع بسعر السوق. وتسبب هجوم سيبرانى من جهة «غير« معروفة فى هذا العطل بالشبكة الإلكترونية المسئولة عن تشغيل محطات الوقود، ولكن أصابع الاتهام لا تشير إلى عطل فنى داخلى، ولكن إلى استهداف خارجى فى سلسلة الهجمات السيبرانية المتتالية التى تتعرض لها البلاد. ولعل من آخر هذه الهجمات «المعلنة« ما حدث فى بندر عباس العام الماضى، حيث تعطل العمل فى ميناء رئيسى، واتهمت إيران عدوها التقليدى إسرائيل بالوقوف خلف الهجوم. وتتبادل الدولتان الهجمات الإلكترونية بصورة مكررة، حيث سبق هجوم بندر عباس هجوم إيرانى على منشآت هيدروليكية مدنية فى إسرائيل، وقبلها بشهور فى فبراير 2020 صدت إيران هجوما إسرائيليا استهدف شبكة الإنترنت الإيرانية مما تسبب فى بعض الأعطال التى استمرت لساعات محدودة. علما بأن طبيعة الهجوم السيبرانى لا يحدث ضجيجا. وانما يشعر به الناس بعد أن يتم الهجوم بهدوء، ثم تنقطع الخدمات أو تتعطل.
•••
ولنتذكر أن مصر أوشكت على تفعيل منظومة الكروت الإلكترونية لصرف البنزين المدعم بناء على عدد معين من اللترات شهريا، ولكن لسبب ما لم يستكمل المشروع، بعد أن تم بالفعل إصدار عدد كبير من الكروت عام 2014 وإرسالها للمواطنين. ولم يتضح السبب وراء تعطل المشروع، وهل هو مرتبط بالأمن السيبرانى أم لا. الشاهد أنه بالرغم من الفوائد الهائلة لقواعد البيانات الرقمية، والحلول التقنية الذكية، لا يخلو الأمر من المخاطر. فلقد أصبحت الهجمات السيبرانية سلاحا للمواجهة، يتسلل فى هدوء مستغلا ثغرة فى برنامج التشغيل، ويحدث أثره الذى عادة ما يعطل خدمة حيوية أو يستهدف منشأة هامة، وأحيانا يسرب معلومات تؤدى لحالة واسعة من البلبلة وعدم الاستقرار. ولا يقتصر استعمال الهجمات السيبرانية على البلدان وأجهزتها الدفاعية التابعة عادة لقواتها المسلحة. بل هى سلاح يستطيع أى تقنى ماهر ممن يطلق عليهم لقب «هاكر» استخدامه ويحقق ما يرجوه من أهداف. كما تعتبر مسألة تسريب المعلومات من أخطر أنواع الهجمات السيبرانية. ولنتذكر تبعات تسريبات جوليان أسانج عن طريق موقعه ويكيليكس، وتسريبات إدوارد سنودن الموظف السابق فى وكالة الأمن القومية الأمريكية وهما من أشهر الأمثلة لما يستطيع الفرد القيام به فى عالم الهجمات السيبرانية.
ستسمر بيئة الإنترنت كبيئة حاضنة للهجمات السيبرانية، وتلحق الضرر بمواقع حيوية تمس الأمن القومى للبلدان حتى تستجيب الدول لنداءات مثل التى أطلقها رئيس شركة مايكروسوفت عام 2017، بإصدار إعلان عالمى لتنظيم عمل الإنترنت عالميا، على غرار إعلان جنيف العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1949. وقد ترعى الأمم المتحدة، أو منظمة تابعة لها مثل مرفق الاتصالات الدولية، هذا النوع من الإعلانات العالمية لتضع مسئولية قانونية على الطرف المهاجم. ولابد أن يخاطب الإعلان مستويات عدة. أولها الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة. ثانيا، المنظمات الدولية الحكومية، وغير الحكومية، لما لديها من قدرة على العمل بصورة مستقلة عن الدول. ثالثا، الشركات المتعددة الجنسية، لاسيما التكنولوجية الكبرى مثل الفيسبوك. وأخيرا، لابد من معالجة مسألة شائكة تتمثل فى الكيانات غير القانونية، سواء تنظيمات أو أفراد، ممن يقومون بالهجمات السيبرانية، بصورة فردية انطلاقا من موقع معين فى دولة ما، ولكن الدولة نفسها غير مسئولة عن الهجوم. والمثال الأقرب للذكر هو الاتهام الأمريكى للجانب الروسى بالوقوف خلف الهجمات السيبرانية التى أثرت على نتائج الانتخابات الأمريكية. والإجابة الروسية دائما، ليست هجمات حكومية، ونحن لا نستطيع مراقبة نشاط والحد من تأثير الشركات التى تنطلق من الجانب الروسى.
•••
وإلى أن يتفق العالم على وسيلة، لجأت إيران لحل فورى لمعالجة الهجوم السيبرانى عن طريق فصل برنامج التوزيع الإلكترونى، ثم التوزيع يدويا. وبعد أسبوعين من التحرى، قال رئيس منظمة الدفاع المدنى الإيرانى، إن «الأعداء» كان لديهم مخطط مكون من أربع مراحل فى الهجوم السيبرانى ولم يحققوا إلا الجزء الأول، عبر استغلال ثغرات فى نظام إيران الإلكترونى. وباقى المراحل كانت تشمل إيقاف عملية توزيع المحروقات نفسها، بهدف عمل ضغط مجتمعى يحدث موجة احتجاجات وأعمال شغب فى البلاد. وتسعى إيران الآن لتغطية وإصلاح نقاط ضعف الأنظمة الإلكترونية من خلال إعادة هيكلتها بالبرمجيات. وتعول إيران على دور الإعلام الرسمى فى التدخل بذكاء وفى الوقت المناسب لنقل ما يحدث للشارع بصورة جيدة. ولكن ماذا لو لم تستطع الحكومة التحرك بسرعة كافية، أو لم يستطع الإعلام توضيح الصورة بطريقة مقنعة؟ بمعنى آخر، ماذا لو عصف الهجوم السيبرانى بحركة جزء حيوى من «دولة» تعانى أو تمر بضغوط؟ وماذا لو نجح هجوم سيبرانى فى إحداث ضرر بمفاعل نووى وأدى لكارثة قومية؟ للعلم، طالما غاب ميثاق أممى عن تنظيم أعمال الإنترنت وتقدير نوع المسئولية وتبعاتها، فلا أحد محصن من تبعات الهجمات السيبرانية.
معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات