الاقتصاد الأخضر وبرج رشيد - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد الأخضر وبرج رشيد

نشر فى : الثلاثاء 15 نوفمبر 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 نوفمبر 2022 - 8:55 م

فى عام ٢٠٢٢ وفى إطار استضافة مصر لمؤتمر الأطراف الخاص بالتغير المناخى، أطلقت جامعة القاهرة نداء لباحثيها للتقدم بمقترحات لمشروعات تطبيقية لمواجهة التغير المناخى. تقدمت أنا وفريق بحثى غالبه من جامعة القاهرة ولكنه يشمل أيضا باحثين من خارج الجامعة، وقام المقترح الذى قدمناه على تجربة تستهدف إطلاق تحول لمنظومة المياه فى برج رشيد لتصبح منظومة متجددة.
النقطة التى حددناها للبدء هى التعامل مع الصرف الصحى المنزلى ومعالجته محليا بصورة تحاكى الطبيعة ولا تسبب أضرارا للبيئة. يقوم مشروعنا على تجربة لمعالجة غير مركزية لمياه الصرف الصحى بحيث يمكن فى حالة نجاحها أن يتم تعميمها فى مناطق أخرى من برج رشيد فى سنوات تالية ويتم تدريجيا القضاء على واحد من أكبر مصادر تلوث المياه الجوفية والتربة، وأيضا يتم استرجاع قدر كبير من المياه ليتم استخدامها فى أنشطة أخرى، وبالتالى يقل الطلب بصورة كبيرة على المياه العذبة فى القرية بما يتيح التركيز بصورة أفضل على تحسين جودتها.
ما نعرفه من تجارب مشابهة لتلك المعالجة البيولوجية لمياه الصرف أنها ليست رخيصة الثمن ولهذا يقوم مشروعنا على تجربة تعتمد على إضافة بُعد يتعلق باستعادة التنوع الطبيعى فى المكان باستخدام المياه المعالجة، بالإضافة إلى استخدام النواتج العضوية كمدخل فى الزراعة الحضرية. وستقوم التجربة التى من المقرر أن يتم مراقبة عملها لمدة عام بتقييم ليس فقط كفاءة المعالجة ولكن أيضا توفير البيانات التى يمكن من خلالها حساب العائد من استعادة التنوع البيولوجى ودعم الزراعة الحضرية (والذى سيحتاج متخصص فى الاقتصاد البيئى)، وسيمكننا هذا فى النهاية من تقييم مدى نجاح التجربة ليس فقط تقنيا ولكن أيضا اقتصاديا وإمكانية تمويلها بصورة مستدامة فى إطار نموذج أعمال يسمح ويشجع على ذلك.
وقد وقع الاختيار على أحد المساجد ببرج رشيد والذى له حديقة يمكن تجربة الزراعة بها، كما أن الخزان الأرضى له والذى يقوم بتجميع الصرف الصحى لدورات المياه الخاصة به، يتصل به أيضا أربع شقق سكنية بما يضمن تمثيل الصرف الذى سيتم معالجته للنواتج الموجودة فى البيوت السكنية وخاصة تلك الناتجة عن غسيل الملابس وأدوات الطعام.
• • •
الابتكار المستخدم فى معالجة مياه الصرف الصحى للأستاذ الدكتور أحمد توفيق بالمركز القومى للبحوث ويتكون من خزان رأسى يعرف بخزان الترسيب الأولى (PTS) ويتبعه مفاعل التدفق السفلى للإسفنج المعلق (DHS)، ويتم تغذية المنظومتين باستمرار بمياه الصرف الصحى من مصدره بالخزان التحليلى الأرضى. والمياه المعالجة الناتجة من تلك العملية يتم تجميعها فى خزان أعلى سقف دورات مياه المسجد لاستخدامها عند الطلب فى تنظيف الحمامات، كما يتم استخدام جزء من تلك المياه فى رى النباتات البرية خارج المسجد والتى تتكون من مجموعة أصلية موطنها فى ساحل برج رشيد، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من النباتات البرية المهددة بالانقراض والتى موطنها إلى الغرب قليلا.
ويُخطط فى المستقبل لاستفادة من المياه العذبة الموفرة نتيجة استخدام تلك المنظومة لرى مجموعة من الزراعات فى حديقة المسجد والتى تهدف لإنتاج بعض الخضراوات الورقية والطماطم وأنواع أخرى، حتى يمكن أيضا تقدير كمية الطعام الذى يمكن إنتاجه بالمياه المتوافرة عبر العام.
نتمنى فى المستقبل القريب أن يتوافر لنا التمويل الكافى (القليل) لاستكمال مراحل المشروع التالية وخاصة تركيب الألواح الشمسية والمحطة الصغيرة لتحلية المياه المالحة. ونتمنى أن نحصل على هذا التمويل محليا لأن استدامة المشروع تعتمد على توافر تمويل محلى يستهدف المصلحة المحلية أولا.
ما نزال فى بداية تنفيذ خطة التحول، وبالرغم من أنه قد يبدو أن ذلك خطوة مهمة إلا أنها بالقطع غير كافية لأننا بحاجة ماسة للمعلومات التى يمكن جمعها من خلال التجربة ذاتها والتى تمكننا من الحكم عليها وتقدير مدى نجاحها أو غير ذلك وما هى التحديات الحقيقية التى واجهتها، والأهم كيف يمكن التعلم منها لتكرارها على نطاق أوسع لتحقيق التحول المأمول. لا يبدو هذا التحول سهلا أو يسيرا وطريقه ربما ملىء بالعقبات، لكن ليس أمامنا طريقا آخر فيما يبدو. ونتمنى أن تساعد مخرجات قمة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين المنعقد فى مصر هذا العام فى تيسير هذا التحول المأمول وجعله ممكنا ليس فقط فى برج رشيد ولكن فى مناطق أخرى عديدة فى مصر هى بحاجة ماسة لهذا التحول. كما نأمل أن نخرج بخبرات يمكن مشاركتها مع الدول الأفريقية بصفة خاصة وربما ما وراء ذلك؛ لأن مصيرنا مرتبط بالنجاح فى تحقيق هذا الانتقال.
• • •
على المستوى الإقليمى لخطتنا فى برج رشيد فقد تقدمت بمشروع فى إطار الدعوة التى وجهتها أكاديمية البحث العلمى ووزارة التعليم العالى لتمويل مشروعات بحثية خاصة بالتغير المناخى؛ نطرح فى هذا المشروع نموذجا مصريا لمواجهة التغير المناخى من خلال البدء فى إنقاذ البيئة الطبيعية المتدهورة من خلال شراكة مركبة يقودها طرفان مصريان هما: جامعة القاهرة وأكاديمية البحث العلمية، بمشاركة دولية محدودة ولكن مهمة ممثلة فى الجمعية الدولية لصون الطبيعة، ومساهمة فعالة للأطراف المحلية بدأ من مجلس المدينة وموظفيه والعاملين فى قطاع الزراعة بصفة خاصة إلى جامعة دمياط، وطبعا الشباب الصغير فى سنوات الدراسة المختلفة. وأتمنى عندما تتاح لى تلك الفرصة أن يقتنع رئيس اللجنة بأن ما لدينا ليس مجرد فكرة جيدة ولا نوايا مثالية ولكن خطة عمل حقيقية يستفيد منها العديد من الأطراف بل تصلح فى الحقيقة كنموذج للعمل فى مشروعات أخرى.
فى الحقيقة، إن المشروع السابق هو ما سيوفر الأساس العلمى الأدق لما نقوم به فى مشروع آخر من المتوقع أن يبدأ تنفيذه قريبا، وكنت فى ثانى أيام أسبوع القاهرة للمياه قد قمت بتقديم شرح موجز عنه. وهو المشروع الذى نقوم به أنا وزميلى الدكتور عبدالله العطار فى مدينة دمياط الجديدة. وكانت الجلسة التى شاركت فيها مخصصة لعرض الجوانب المختلفة للمشروع المعروف بـ «تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية فى شمال الدلتا والساحل الشمالى»، وهو أحد أكبر المشروعات التى بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، ومرت بالعديد من المراحل حتى تم توقيع الاتفاق مع صندوق المناخ الأخضر فى عام 2017 بتمويل ثلث تكلفة المشروع على أن تقوم الحكومة المصرية بتمويل الثلثين. ويقوم على إدارة المشروع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة ويقوم بالتنفيذ هيئة حماية الشواطئ المصرية.
تنفيذ ونجاح هذا المشروع مهم جدا لمشروعنا فى برج رشيد؛ لأن نفس المشروع «تعزيز التكيف» قام بتنفيذ جسر للحماية من الغرق بالقرب من موقع مشروعنا ــ قيد التنفيذ ــ وهو ما يمثل فرصة مهمة لتنفيذ مشروع مماثل له ثم ربطه ضمن شبكة للنباتات البرية تبدأ فى استعادة التنوع الطبيعى فى برج رشيد.
نتمنى ألا تتوقف بركات الكوب على الأقل على امتداد العام الذى تتولى فيه مصر رئاسة المؤتمر ونتمنى أن نتمكن من خلال تنفيذ تلك المشروعات الصغيرة من توفير قدر معقول من الهمة والوعى لكى نتمكن من توسيع نطاقه فى المستقبل القريب وبأيدى وأفكار محلية، لأن بناء قدراتنا المحلية عن طريق العلم والبحث والتصميم المناسب ومن خلال دعم ومساندة السكان سيمكننا من تنفيذ بداية التحول لاقتصاد متجدد يكون فيه الإنسان والطبيعة فى المركز.

التعليقات