قراءة فى فكر غازى القصيبى - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 10:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى فكر غازى القصيبى

نشر فى : الجمعة 16 فبراير 2018 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 16 فبراير 2018 - 10:05 م

يعد السفير والوزير السعودى غازى القصيبى «رحمه الله» من الأكاديميين والشعراء والأدباء والحكماء الكبار فى أمة العرب، ولعل الكثير منا يهتم بشعره دون أن يهتم بنظراته الحكيمة فى مناحى الحياة المختلفة سواء السياسية أو الإدارية أو المجتمعية أو الإنسانية، ولكن المتصفح لفكرة يرى فيه ثراء كبيرا، وهذه إطلالة قصيرة على فكره بما تسمح له مساحة هذا المقال.

فمن روائع فكره قوله «القوة لا تصنع الحق» لأن الحق فوق القوة وأبقى وأعظم منها، ومنها قوله «إن أخطر سجن وجد أو سيوجد هو سجن الذات» وهذا يعنى أن بداية الإصلاح والحرية تبدأ من ذاتك.

أما رؤيته للتعليم فلخصها بقوله: «الطريق إلى التنمية يمر أولا بالتعليم وثانيا بالتعليم وثالثا بالتعليم باختصار هى الكلمة الأولى والأخيرة فى محلمة التنمية» وقوله الواضح «عدونا الأول هو التخلف وليس إسرائيل».

ويقول عن العلم «قُمْ للمعلمِ وَفِهِ التبجيلا، وحاول أيضا زيادة مرتبه «ويقول» لا يوجد أنبل من مهمة التدريس ولا يوجد أفسد من بعض المدرسين «ويردد» كنت أقول للطلبة فى المحاضرة الأولى إن رسوب أى منهم يعنى فشلى فى تدريس المادة من قبل أن يعنى فشله فى استيعابها «وتلمس فى أفكاره عشقه للتعليم والتعلم ورغبته الجارفة فى تطوير التعليم فى العالم العربى.

أما عن السياسة والسلطة فقد عاش فيها سنوات وخبر أهلها وعرف مكائدها وإحنها وأحقادها ولذلك تحدث عنها حديث الفيلسوف العبقرى وفضل ألا يخوض فيها ولكن كلماته البسيطة عنها تعنى الكثير ومنها على سبيل المثال لا الحصر: «أمريكا متخصصة فى صنع الأسحلة الذكية والسياسات الغبية «وقوله» ليس للتخلف علاج سوى الحرية «وقوله» من لعنات المنصب أنه كلما ارتفعت درجته كلما انخفضت درجة الصراحة عند المتحدثين إلى شاغليه «وقوله الساخر» السلطة هى أن يضحك الجميع من نكتك الساذجة التى سمعوها ألف مرة «وقوله الأكثر سخرية» اليابانى عندما يفشل ينتحر، أما العربى عندما يفشل يرقى «وقوله» تبدو النظرية رائعة فى كتاب وتتحول إلى مشانق وسجون فى التطبيق.

ويسخر من ذوى الذين لا يفارقون مناصبهم أبدا ولا يتركون كراسيهم إلا بالموت فيقول: «لا أعرف أحدا خلد فى وظيفة سوى إبليس الرجيم» ويقول عن الذين يحتكرون السلطة ويقصون منافسيهم «يخطئ من يعتقد أن القمة مدببة لا تسع إلا لواحد، إنما هى مسطحة تسع الجميع، نحن لا نستوعب أنفسنا لذا لا نستوعب الآخر «ويتحدث عن سنة التغيير باعتبارها سنة كونية فيقول: «التغيير قانون الطبيعة الوحيد الذى لا يتغير».

أما عن حقوق الإنسان ووقف التعذيب الذى رآه الرجل فاشيا فى بلاد العرب فيقول آسفا حزينا «لو كان لى من الأمر شىء لوضعت فى كل كلية أمنية فى بلاد المسلمين مادة اسمها «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس» وقد انطلق مفكرنا الرائع فى هذه المقولة من الحديث الشريف «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا».

ويقول مفكرنا: «ما أسهل الدفاع عن حقوق الإنسان فى مقاهى لندن وباريس» وقد شاهد ذلك بنفسه كثير فى الناشطين العرب الذين تسكعوا فى شوارع ومقاهى باريس ولندن وقبضوا الدولارات وتركوا ساحة المعركة الحقيقية فى أوطانهم، فمعارك الوطن الحقيقية هى بين الناس وتحمل ما يتحملونه.

أما عن الحب فقد تحدث عنه كثيرا وتشعر فى كلماته حبه للمحبوب الأعظم الله سبحانه أصل كل المحاب ومنه تتفرع جميع المحاب، وتلمس الأدب الكبير والرقى الإنسانى فى كلماته، فلا إسفاف أو تبذل مثل غيره «إن الذى يحب الله لا يمكن أن يكره البشر» ويحلق فى سماء التسامى فيقول «المقدرة الحقيقية على الحب هى أن نحب ما لا يُحب، وأن نعشق ما لا يُعشق، وأن نؤمن بما لا نرى، وأن نعطى دون أن نأخذ، وأن نعجز عن الكراهية».

ويعرف الحب بأجمل تعريف «الحب هو نسيان مؤقت للذات وتذكر مؤقت للآخر» ويعرفه أيضا بقوله «الحب يعنى أنك لست فى حاجة إلى الاعتذار أبدا».

ويتحدث عن العفة التى هى صنو الحب، فحب بلا عفة هو تسفل ومجون، فيقول: «لا يجوز لإنسان أن يدعى العفة ما لم يتعرض للفتنة» ويتحدث عن جمال المرأة فيقول «جمال المرأة يغفر كل عيوبها إلا الغباء» ويقول عن سيطرة المرأة على الرجل «للرجل الكلمة الأخيرة وللمرأة ما بعد الأخيرة».

وينتقد المجتمع العربى نقدا لاذعا وهو الذى عاش آلامه وسلبياته وحروبه وصراعاته الفارغة من أجل لا شىء فيقول: «من سلبيات الشخصية العربية أنها لا تهتم بالفعل نفسه بقدر ما تهتم برد فعل الناس نحوه، لا يهم أن ترتكب ذنبا ولكن المهم ألا يعرفه الناس».

ويشرح مرض المجتمع العربى فى قوله «يعانى المجتمع من الفصام وأتصور أن مجتمعنا العربى منفصم أكثر من سواه، والسبب هو الحساسية، وحساسيتنا معقدة إلى أبعد مدى».

وينتقد الموائد العربية الفاخرة التى فيها من السرف والبذخ الفاجر ما فيها فيقول «الكرم العربى ظاهرة غذائية».

وينتقد فهلوة الإنسان العربى قائلا «ما أكثر الذين يعتقدونه أنهم يعرفون كل شىء ويحكمون على كل إنسان ويبتون فى كل قضية ويفتون فى كل معضلة».

ويحلل نفوس البشر قائلا «الذين يشتمون الشهرة هم الذين فشلوا فى الحصول عليها».

ويبين اختلاط المبادئ بالمصالح فى دنيا الناس، وأن المصالح قد تنشط المبادئ أو تحركها فيقول: «ويزداد تعلقنا بالمبادئ بقدر ما يزداد تعلق مصالحنا بها».

وينتقد تخلف الأمة العربية والإسلامية بقوله «كيف تستطيع أمة أن تصنع مستقبلها وهى فى قبضة ماضيها، يعصرها عصرا حتى يستنفذ كل ذرة من طاقاتها».

ويكره نظرية المؤامرة التى كبلت العقل العربى والإسلامى فيقول: لا جدوى من الحوار مع أصحاب نظرية المؤامرة «ترى لو كان القصيبى بيننا الآن، ورأى معظم الإعلام العربى يدشن ويدعم نظرية المؤامرة ويبرر كل خطيئة وجرم بهذه النظرية البائسة ترى ماذا كان سيفعل أو يقول؟!

رحم الله الشاعر والدبلوماسى والحكيم الكبير / غازى القصيبى الذى أفخر بحبه والإعجاب بشعره، اللهم زد هذه الأمة من الحكماء والعلماء والنبلاء ودعاة الخير، وجنبها الزلل والإثم والاستبداد.

التعليقات