بعيون باتساع الكون وقفت فى زاوية من الشارع وهى تراقبهن القادمات بضحكاتهن قبل اقدامهن، الراقصات على انغام الطفولة فى صباحات المدن التى لم يعد لها هم سوى التحولات الديمقراطية وربيع عربى ــ لم يدم طويلا كما باقى الفصول القصيرة الزمن فى هذا الجزء من العالم ــ وصياغة الدساتير وزواج الفتاة فى التاسعة وختانها! لم تكن تدرك ان لها اية أهمية فى مجتمعات احترفت صناعة تكميمها واقصائها وتحويلها إلى مجرد اداة للجنس ربما؟ ووعاء للولادة والاطفال فى أحسن الاحوال!
●●●
قمر التى بلغت العاشرة قبل أيام لملمت تلك القطعة من القماش التى وضعتها والدتها على رأسها وراحت تعمل على اخفاء بعض شعرها.. كانت تحب لون شعرها حتى والدتها كانت تردد عليها ما «أجمل شعرك يا قمر» إذن لماذا قررت والدتها وكل العائلة فى ليلة ظلماء بأن تضع قطعة القماش هذه وان تردد عليها قائمة من الممنوعات طالت اكثر من عدد سنين عمرها القصيرة.. كم هى الطفولة قصيرة فى أوطاننا، كم هو السواد أطول من سويعات ليالينا...
تساقطت الصور على قمر كيف انقلب عالمها منذ ان وصلت إلى هذا الرقم الصعب.. لم تكن تدرك انها ستكره بعض الأرقام حتى كان ما كان ودخلت النسوة متشحات بالسواد لتجر هى إلى ما آلت اليه حالها.. وانتشرت البقع الحمراء حولها ليس للزهر والورد الذى لم تتعرف عليه سوى فى كتب القراءة بل هنا وعلى مقربة منها لانها وحينها فقط لم تكن تشعر سوى بالم شديد امتد على متسع جسدها وانتشر فيه كما النار، لم تكن تعرف ما الذى يحدث ولا التحولات السريعة على عالمها الصغير جدا.. بعدها لم تعد عينا قمر كما كانتا فقد استبدل الفرح بكثير من الحزن والبراءة بالتوجس والخوف.. لم يعد لقمر سوى الدمع يسقى عينيها وعالمها..
●●●
قمر فى العاشرة تحن إلى مراقصة الحمام الابيض فى صباحات أيامها الراحلة البريئة كما هى، حيث كانت تداعب الريح وتسعد وهو يلاعب شعرها وينثره.. لم تكن تعرف ان شعرها جميل فى الخامسة وعورة فى العاشرة من عمرها.. هى الأرقام مرة أخرى.. متى بدأت طفولتها ومتى سرقت منها تلك الطفولة؟ لم يكن هذا سؤال قمر الصغيرة فهذا أكبر من تفكيرها وادراكها..
قمر الواقفة على حافة الكون، كانت سعيدة بتفاصيل أيامها المليئة باللعب والمرح مع بنات واولاد الاسرة والجيران حتى جاء ذاك الرقم الصعب.. لم تعد تعرف لماذا كثرت عليها الموانع حتى تلك واشتد الحصار على الحركة والكلمة والنفس! فجأة اختطفت ايامها ورحلت إلى عالم جديد ليس هو ذاك الذى كانت تعشقه كلما نظرت من شباك شقتهم المتواضعة بعمارتهم الاشد تواضعا نحو الحديقة العامرة لمنزل جيرانهم الفخم والواسع فى ذاك الحى..ساد الصمت عالمها الصاخب سابقا، لم يستطع عقلها الصغير ان يستوعب كل تلك التحولات..
قمر وأخريات مثلها لا يدركن انهن الموضوع الأكثر سخونة على موائد نقاشات الكبار من الرجال والنساء فى أوطان هى الأكثر احتياجا اليوم إلى البحث عن سبل الخروج من سنين الظلمات والخنوع والظلم.. نفس اولئك الطامحين إلى المستقبل يعملون على إعادتها إلى سنين وئد النساء وما قبل التاريخ! ربما لم ولن تدرك قمر الآن كم هى الاهم على قوائمهم فيما وطنهم يغرق فى بحر من الديون ويبحث عن كسرة الخبز ليطعم فيها أفواه جائعة عادت لتكرر «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».. شعارات كانت رنانة يوما وحولها بعضهم إلى مجرد كلام ليلا يمحوه النهار! لم تدرك قمر ان ثورتهم ستأتى لها بليل مظلم كليلها الان ولم تعرف انه عندما خرج اخواتها واخوتها وجيرانهم إلى الشارع سيعودون لتغلق نافذتها على الكون والفرح..
●●●
من نافذة مفتوحة على ممر
وممر مفتوح على وهم الشارع
الشارع الذى تمر خلاله آلاف الحقائب الملونة
لتزاوج بين شرايين المارة الأبرياء وشفرة المجزرة الدامية
فتاة بعينين أليفتين تحدق فى
جثة طفولتها
من نافذة مفتوحة على رصيف خارجى.
(مقطع من قصيدة «نافذة»
للشاعرة الإيرانية ليلى فرجامى)
احتفل العالم فى الحادى عشر من أكتوبر بإطلاق اليوم العالمى للفتاة وهو أول عام يحتفل به بهذا اليوم منذ أن أعلنته الأمم المتحدة.