هذا عالم يعادى الحب حتما، بل يكرهه حد المقاتة فيما كل أغانيه وأفلامه بالأسود والأبيض تتحدث عنه.. عن ذاك الذى اسمه الحب. هو ممنوع كان؛ خاصة على الأنثى التى توصف بمختلف الكلمات النابية بل الساقطة، فيما يخص الحب الرجل وكأنه ــ أى الحب ــ يكون بين الشخص ونفسه، أى بين الرجل وهو!! تغيب الموسيقى بل تتوقف رغم أنها أكثر نهر يروى الروح.. تغيب عندما تزداد حدة محاربة الحب.
***
يقولون ــ بل قالوا لنا ــ إنه الحب المحرم وتصور البعض حينها أن الحب المحرم هو عندما يتعدى النظرة فالابتسامة فالتحية وما بعدهما يقف حد السيف. هكذا كانوا يقولون على الحبيب المحب حقا بل العاشق أن يضع حد السيف بينه وبين حبيبته حتى يبقى الحب عفيفا بل نقيا... وفى هذا كثير من نفاق بعض العرب عندما يتحدثون عن الحب بشكل ويمارسونه بأشكال متنوعة تحت مسميات وتبريرات فيما هو، أى الحب، ليس بحاجة لا إلى مسمى ولا إلى تبرير.
فيما هم يعادون الحب بالرمح والسيف تمتد صحرائهم لتعلمهم فن ذاك المحرم وما تاريخهم إلى مزيج من كثير منه على تلاوينه وأوجاعه وتأملاته. مرت آلاف السنين ولا يزال بعضنا بل ربما كثيرون منا يعادونه كما كانت القبيلة الأولى، وهو حتما زمن العودة إلى المقابر ونبش القبور بحثا عن سبب للفتنة التى بقيت شبه مدفونة أو التحفت بالتراب الناعم بلون هذه الأرض.
***
هم يكثرون التحريم والوقوف على أبواب البيوت موصدينها، هى والنوافذ فى وجه أى نسمة تحمل بعضا من لوعة ذاك المحب لحبيبة هى الأخرى سجينة الحرملك أو أشباهه الحداثية جدا وحبيسة تقاليد تعلمها أن كل الحب عيب وبعضه عار وكثير منه قد ينتهى بالدم. لا يزال الشباب العربى، فتيات وفتيان يبحثون عن زاوية أو مساحة تسمح ببعض الحب.. يسرقون القبل فى ظلمة الليل أو تحت الشجر معرضين أنفسهم ليس فقط لعويل الشائعات المتكررة والكلام الجارح بل ربما للانتهاء فى الحبس من قبل شرطة تحمل تسمية شرطة الآداب فى زمن الانترنت وشبكات التواصل والانسان العابر للمكان… فقط الحب له شرطة تشرف على تنظيمه أو ربما تجريمه فيما ترتكب الجرائم بأشكالها وتنوعاتها من السرقات العامة كسرقة الأوطان أو خطفها إلى القتل تحت مسميات جرائم الشرف!! وحين يقوم الرجل بجريمة قتل امرأة فالأسهل عليه أن يدافع عن نفسه بالقول إنه ضبطها متلبسة بفعل الحب، وما هى إلا لحظات فيخلى سبيله فيرحل المجرم طليقا حرا وترسل الضحية لتوضع تحت التراب عارية من كل شىء إلا بعض من كرامتها وكثيرا مما سرق منها خلال سنين من الظلم الحامل للتسميات والمبررات العدة.
***
هم يعادون الحب مدركين حتما أن فى ذلك تناقضا فاضحا مع محبتهم لكل كلمات الأغانى والشعر، على الأقل القديم منه. فما بالهم يطربون لأم كلثوم عندما تردد «ياللى ظلمتوا الحب وقلتوا عليه مش عارف إيه».. وتصرخ مكملة «العيب فيكم يا فى حبايبكم أما الحب يا روحى عليه..» تلك الكلمات الرائعة لمرسى جميل عزيز مع مزيج من ألحان بليغ حمدى.. هل يعلمون وهم يرددونها بأنهم من كانت تتحدث عنهم الأغنية.. وليست هى الوحيدة بل إن التراث العربى ملىء بالشعر والنثر عن الحب والعشق والولع فيما لا نزال الآن ونحن فى العام ٢٠١٧ بحاجة لكثير من المبررات والحذر أو ربما الخوف منه.
***
توقف الموسيقى حتما منذ تلك اللحظة التى رفض الكثيرون أن ينهوا العداء المستمر مع الحب ويحولوا تلك العلاقة لود بلا صدام فى الكثير من الأحيان هو تفريغ لكثير من العقد والمصالح والفهم الضيق... يوشك اللحن الأخير أن ينتهى وبعضهم لازال يرغب فى استكمال رقصته التى كانت فيما الحراس واقفون مستنفرون لحماية العرض والشرف من ذاك الذى اسمه الحب... صرخ الأدب كثيرا بما لم تستطع الكثير من النساء الهمس به وعنه، فعندما تسقط تلك اللحظة وتتسارع دقات القلب وينخفض مستوى التنفس أو يتحول إلى ما يشبه اللهث وتدرك حينها تلك المرأة الواقفة عند العتبة الأخيرة ربما، أنه الحب ما عليها سوى أن تعيد الاستيقاظ من ذاك الحلم الجميل الذى لم يطل قبل أن يتحول إلى كابوس من قبل العيون المتربصة تلك التى تنبش خلف الابتسامة وفى زوايا وأركان العين وتراقب بحذر حركات اليد الساكنة فى يد يملؤها الدفء.. والحيرة التى لا يمكن لأى امرأة أو رجل محب أن يخفياها أو يخبئاها.
***
لا يزال العداء اذن هو ما تبقى منذ آلاف السنين.. لا يزال بعضنا أو أكثرنا يمسك على الزمن ليقبض على تراب القبر الذى كان ويعيد حمامات الدم مع ما رافقها من كثير من الجهل والتخلف.. وحين ينتشر الجهل يختفى الحب أو يبتعد عن تلك الأوطان التى تطارد الأحبة ولا تجعل لهم لا مساحة ولا فضاء سوى الهرب إلى الظلمة بل العتمة المقيتة.. وتبرر ذلك، كل ذلك بالمحافظة على الشرف والفضيلة رغم أن الحب هو كل الشرف وأجمل الفضائل حتما.. يحملون الأحبة كالمجرمين ويرسلوهم إلى الزنازين مع تجار المخدرات وعصابات المجرمين المحترفين.. يردد هو الذى هناك فيما هم محترفو سرقة فأنا تهمتى هى احتراف الحب.
***
تتوقف الموسيقى غسيل الروح وتتصحر الطرقات والجبال والسواحل ويتوارى القمر خجلا وتفضل الشمس أن تختبئ خلف الغيم الذى هو الآخر أصيب بالعقم من الماء عندما حرمت الأوطان الحب بكل ألوانه وتنوعاته، أو وضعته فى علب مصنعة بشروط من ما يسمى «الطهارة «و «العفة» هل هناك حقا أكثر طهارة وعفة من الحب؟ هل هناك أكثر نقاء منه هو المعتق بماء الورد.. هو القادم من الصباحات العامرة بموسيقى الفرح.. هو الذى لا يمكن أن تكون هناك أوطان حقيقية يطارد فيها الحب ويسجن فيها الأحبة.