حينما أكتب عن الرسول أكتب بوجد قلبى ودفق مشاعرى نحو النبى الكريم «محمد» العطوف الودود الرحيم العفو الشجاع.. وإنه ليؤسفنى أن بعض الجهال من أتباعه يسيئون إليه أكثر من إساءة خصومه له.
هذا الرسول كان قائدا عظيما ولذلك استطاع اكتشاف العظماء والنابهين فى زمانه.. وحرص على أن يكونوا حملة لرسالته وامتدادا لعهده.. فالعظيم لا يهاب أن يكون العظماء إلى جواره.. والضعيف يريد أن يجمع الضعفاء حوله.. والصفر يريد أن يجمع الأصفار ولا يريد أن يرى الأرقام الكبرى حوله.
والقوى المحب لأمته ودعوته ورسالته يريد أن يجمع الأقوياء والحكماء والعلماء والأفذاذ والشجعان والكرام من حوله فيزيدهم قوة وحكمة ويزيدونه مثلهما.
والقوى هو الذى يسمح بالتعددية من حوله ويطلق ملكات التباين المحمود الذى يدعو للتكامل لا التباغض.. أما الضعيف فهو الذى يقهر من حوله من الأقوياء ليبقى وحيدا فريدا كالأعور بين العميان.. يظنه الناس متفردا بالرؤية دون أن يدركوا أنه قتل ملكات أمته وقهرها.
لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم حول النبى كمجموعة من الأزهار والورود متباينة الشكل والرائحة الزكية كباقة رائعة متناسقة متمازجة متكاملة الشكل والرائحة.. فخالد فى العسكرية، وعمر فى العدل، وأبو بكر فى الحكم والسياسة، وعثمان فى الكرم والحياء، وابن عباس فى العلم، ومعاذ فى الفقه، وعلى بن أبى طالب فى الشجاعة والعلم، وأبو عبيدة فى الأمانة، وسلمان الفارسى فى البحث عن الحق وهكذا.
فإذا بأبى بكر تلمع مواهبه يوم وفاة النبى ويوم الردة حتى قيل: «ردة ولا أبا بكر لها».
ويلمع عمر فى العدل السياسى والاجتماعى ومحاسبة نفسه وأسرته وولاته وفى العدل مع أهل الأديان الأخرى.. وفى منظومة إقامة الدولة.
ويلمع عثمان فى التضحية بنفسه حفاظا على الدولة من الفتن والاحتراب الداخلى..
ويلمع الحسن فى فقه الصلح وبيع جاهه وسلطانه وخلافته من أجل حقن دماء الناس.. ويلمع خالد يوم اليرموك، وسعد فى القادسية وعلى بن أبى طالب فى محاربة الخوارج والعدل معهم وعدم تكفيرهم على الرغم من أنهم كفروه.
لقد كان رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يعرف أقدار الرجال ويختار لدعوته معادن الذهب والفضة ويكتشف الأفذاذ منهم.. فقد اكتشف عبقرية خالد العسكرية فمنحه أعظم وسام عسكرى «سيف الله المسلول» فى معركة انسحاب وليس فى معركة هجومية أو دفاعية.. ورفض قدح البعض فيه بقولهم: «يا فرار يا فرار»، فقال: «بل هم الكرار إن شاء الله».. وقد سبق العسكرية الحديثة فى اكتشاف قيمة معارك الانسحاب الناجحة.. وإذا بخالد لا يخيب ظن النبى فى كفاءته فلا يكر فحسب بل يهزم أكبر إمبراطوريتين فى زمنه «الفرس والروم» ويكيل لهم الهزائم المتوالية.. حتى أنه لم يهزم فى معركة قط.
وحرص رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أن يكون حوله أكثر الناس خلقا وحياء وأدبا وكرما أمثال عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف.
وحرص على أن يكون حوله الزهاد والعباد والمتفرغون للعلم والعبادة من أمته حتى وإن كانوا فقراء أمثال: أبى ذر وأبى هريرة وأهل الصفة، وكان لا يخجل أن يكون بينهم ،وأن يأكل معهم، وأن يبشرهم بجوائز السماء فى الآخرة.
وهذا لم يمنعه من احتضان الصالحين من الأغنياء والأثرياء الذين جمعوا المال من الحلال وأنفقوه فى الحلال وبذلوا الكثير من أموالهم فى أوجه الخير والمعروف.. وكان يقول: «نعم المال الصالح للعبد الصالح» فقرب إليه أبا بكر الصديق الذى كان مليونيرا بلغة العصر فأنفق ماله كله فى سبيل الله.
وعثمان بن عفان الذى جهز جيشا كاملا من ماله الخاص ووسع المسجد الحرام على نفقته الخاصة. ثم جاء أقوام من الخوارج لم يفهموا الإسلام فاعتبروا أن غنى المسلم عار عليه.. وأن المؤمن لابد أن يبقى فى أغلال الفقر والجوع كى يظل قريبا من الله والدين فمنعوه من الصلاة فى المسجد الذى وسعه بحر ماله.. ومنعوه من الشرب من بئر رومة التى اشتراها بماله الخاص ووهبها للمسلمين ليموت صائما عطشانا يشكو إلى الله ظلم العباد الذين لم يقدروا أمثال عثمان قدره.
وكذلك قرب النبى إليه المليونير الصالح عبدالرحمن بن عوف الذى كان عبقريا اقتصاديا متفردا وكريما عظيما من كرماء العرب.
وعلى الرغم من أن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ كان فقيرا وكانت تمر على بيوته ثلاثة أشهر ولا يوقد فى بيته نار وليس فيها سوى التمر والماء إلا أنه لم يُقْصِ الأثرياء أو يربى أصحابه على الحقد عليهم أو كراهيتهم أو يؤمم أموالهم واثقا فى عطائهم.
وعلى الرغم من شجاعته وإقدامه إلا أنه كان يوقر الضعفاء هاتفا: «الضعيف أمير الركب» و«إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» وأعرض مرة عن عبدالله بن أم مكتوم الأعمى لأنه كان يخاطب سادة قريش فعاتبه ربه فى ذلك.
فصلاة وسلاما عليك يا سيدى فى الأولين والآخرين من محب ضعيف مقصر مذنب مسرف على نفسه.. يرجو شفاعتك يوم تطيش الصحائف.