يبدأ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تعاونه مع الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، من النقطة التى انتهت عندها الولاية الأولى للرئيس الجمهورى عام 2021، وهى خطة لضم الضفة الغربية. هذا ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلى فى مؤتمر رعاه وزير المال بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب «الصهيونية الدينية»، الثلاثاء الماضى تحت عنوان جعل 2025 «عام بسط سيادة إسرائيل» على الضفة.
فى اليوم التالى لتصريح نتنياهو، كان ترامب يعلن ترشيح حاكم ولاية أركنساس السابق مايك هاكابى ليتولى منصب سفير الولايات المتحدة فى إسرائيل. هاكابى مؤيد قوى لإسرائيل ومن الإنجيليين الداعمين بقوة للضم وللاستيطان. وترامب نفسه قال، فى أغسطس الماضى، فى ذروة حملته الانتخابية، إنه نظر إلى الخريطة فوجد أن حجم إسرائيل صغير جدًا، ولذلك فهو منشغل فى التفكير فى كيفية تكبير حجمها.
وبذلك يكون نتنياهو، الذى دعم حملة ترامب، يستعد للحظة التى يعود فيها الرئيس الجمهورى إلى البيت الأبيض ليساعده فى «تغيير وجه الشرق الأوسط»، وترجمة حروبه وانتصاراته التكتيكية على مدى أكثر من عام فى غزة ومن بعدها على لبنان، إلى انتصارات استراتيجية.
الضم وحده، من وجهة نظر نتنياهو هو الوحيد الذى يقضى على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة فى يوم من الأيام. وإذا ما اعترف الرئيس الأمريكى، أى رئيس أمريكى، سواء ترامب أم غيره بهذا الضم، فلن يكون متسع بعد ذلك لـ«حلّ الدولتين» الذى سيبقى حلًا نظريًا غير قابل للتطبيق.
الضم سيليه تهجير، لأن إسرائيل لا تريد أن تكون مسئولة عن أكثر من ثلاثة ملايين فلسطينى فى الضفة، من الممكن أن يقودوا إلى نموذج إفريقى جنوبى. وهذا التهجير سيكون فى اتجاه الأردن، بما يعنيه ذلك من إحداث خلل فى التركيبة السكانية لهذا البلد، وتعزيزًا لما يطلق عليه قادة إسرائيليون منذ زمن بـ«الخيار الأردنى»، حلًا نهائيًا للمسألة الفلسطينية.
ماذا عساه قصد نتنياهو غير ذلك، عندما قال منذ 7 أكتوبر 2023، إن إسرائيل بدأت حربًا لن تنتهى إلا بتغيير الشرق الأوسط؟ وتوجيه ضربة لإيران وتحجيم دورها الإقليمى، ليس ما يبحث عنه نتنياهو، وإنما الضفة الغربية هى الجائزة الاستراتيجية التى يبحث عنها عبر حروبه على غزة ولبنان وضرب إيران.
السؤال المركزى هنا: هل يذهب ترامب إلى خطوة كهذه؟ قبل أربعة أعوام، اعترف الرئيس الجمهورى بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الإسرائيلية إليها، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وعبر هذه القرارات كان يسعى إلى كسب تأييد الإنجيليين من المولودين ثانية أمثال هاكابى، فى سعيه إلى ولاية ثانية. وهؤلاء متحمسون لقيام إسرائيل الكبرى لاعتبارات دينية.
أما اليوم فترامب متحرر من الالتزامات التى يفرضها السعى إلى ولاية ثانية. وتاليًا ليس محكومًا بأن يمنح إسرائيل كل شىء مقابل لا شىء، وربما التأسيس لنزاعات مستقبلية فى المنطقة، فى حال ذهب إلى ملاقاة نتنياهو فى ما يعتزم القيام به.
ضم الضفة وإعادة احتلال غزة، يعنيان بوضوح أن إسرائيل عازمة على حل مشاكلها على حساب الدول الأخرى فى المنطقة. ولا تختلف رؤية نتنياهو عن رؤية سموتريتش أو وزير الأمن الداخلى زعيم حزب «القوة اليهودية» اليمينى المتطرف إيتمار بن غفير عندما يتعلق الأمر بالضفة وغزة. وجزء كبير من حزب ليكود يؤيد معاودة الاستيطان فى غزة أيضًا.
كان الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جو بايدن يدعو لفظيًا إلى حل الدولتين لوضع حد للصراع الفلسطينى - الإسرائيلى. لكنه فى الواقع فعل كل شىء للحؤول دون هذا الحل. بعد أكثر من 13 شهرًا من الحرب على غزة التى سقط فيها 44 ألف فلسطينى، جلهم من الأطفال والنساء، ماذا يعنى غير ذلك، أن تتوصل وزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتان، إلى تقويم مفاده أن إسرائيل لم تنتهك القانون الإنسانى الدولى خلال الحرب!
هذا يثبت أن أى رئيس أمريكى لن يجرؤ على معاندة نتنياهو.
سميح صعب
جريدة النهار اللبنانية