عذرًا رسول الله.. فقد غمط حقك وأساء إليك الكثيرون.. أساءت إليك «شارلى إبدو» وأشباهها من الجهال الذين لم يقدروك حق قدرك.. كما أساء إليك من أمطرهم بالرصاص.. فقد كانوا بحاجة إلى قلب داعية رحيم يسوقهم إلى الجنة ويعرفهم بك يا سيدى ويقدمك إليهم بما تستحقه كأعظم رسول ولم يكونوا بحاجة إلى رصاصات تسوقهم إلى النار وتسوق الإسلام إلى دائرة الاتهام.. فينسون أنك جئت «رحمة للعالمين» حينما يرون أشباه الأتباع يقدمون الثأر على العفو والقتل على الهداية.
عذرا أبا الزهراء فهؤلاء وهؤلاء لم يفهموا رسالتك ولم يعرفوا قيمة رسالتك للعالمين حتى المسيئين منهم.
أسأنا الأدب معك يا أبا الزهراء ولكن كل بطريقته أو تقصيره وغفلته.. إن نصف الذين يكفرون بالله ويجحدون الصادق المصدوق تقع مسئوليتهم علينا نحن المسلمين وعلى الدعاة خاصة.. فأكثرنا نفرهم عن صحيح الدين.. أو بلغهم الدين بطريقة مشوهة.. فلم نقدم القدوة الحسنة والنموذج العملى للإسلام فى حياتنا.
يا سيدى أبا الزهراء عذرا فهذه دولنا العربية لم تقدم أى نموذج حضارى إسلامى حقيقى للعالم كى ينبهروا به ويقبلوا عليه ويرغبون فيك سيدى لا عنك.. فقد قدمت دولنا وشعوبنا دوما أسوأ صور الديكتاتورية والاستبداد والظلم السياسى والاجتماعى والفساد الاقتصادى والتخلف العلمى والتكنولوجى.. فضلا على المرض والجهل والفقر والأمية.. فى الوقت الذى قدم تلميذك النجيب عمر بن الخطاب أسمى نماذج العدل السياسى والاجتماعى ومحاسبة الحاكم لنفسه وأقاربه والتشديد على ولاته والرحمة بالرعية.
عذرا يا سيدى.. فقد قدمنا أسوأ صورة عن الإسلام للعالم.. ففى صفحتنا السوداء يقتل ويفجر بعضنا بعضا.. ويكره ويمقت بعضنا بعضا رغم هتافك فى الدنيا كلها بشعار «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا.. وكونوا عباد الله إخوانا» وشعار «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده».
عذرا يا سيدى فنحن ننفر ولا نبشر.. ونعسر ولا نيسر.. ونفرق ولا نجمع.. ونحسن صناعة الكراهية ولا نصنع الحب ولا نحسنه.. ونعلم شبابنا فقه الموت فى غير ميدان ولا نعلمهم فقه الحياة الصالحة.. ونعلمهم الاصطدام بسنن الكون بدلا من التعايش والتصالح معها.. نعلمهم الدوران حول السلطان والدينار بدلا من الدوران حول القرآن وسنتك.
نعلمهم الحرب حتى لو كانت بغير جدوى ولا نعلمهم فقه الصلح والسلام.. نعلمهم كسب المواقف السياسية لا كسب الشريعة والدين.. نعلمهم تحويل الخطأ إلى خطيئة والخطيئة إلى كفر.. وتكفير وتخوين كل من يخالفهم الرأى السياسى أو الحزبى.. ونعلمهم احتكار الوطنية والمتاجرة بها فى سوق النخاسة الإعلامية الفاجرة أو السياسية الكاذبة.. نعلمهم الفجور فى الخصومة وعدم وزن الناس بحسناتهم وسيئاتهم أو العدل مع الخصوم.. نعلمهم استيراد الراقصات الروسيات بدلا من استيراد علماء الذرة والكيمياء والفيزياء الذين نهضت بهم إسرائيل.. نعلمهم الردح الإعلامى وشتم أعظم عقل أنجبه الإسلام فى علم الحديث مثل البخارى وأعظم عقل فقهى مثل أبى حنيفة.. وأعظم أصولى ومفكر مثل أبى حامد الغزالى.
نعملهم تمزيق الأمة من أجل منصب تافه أو كرسى زائل.. نعلمهم أن يسألوا عن حكم دم البعوض ودم الحسين مراق.. نعلمهم الانشغال بالجزئيات عن الكليات.. وبالفروع عن الأصول.. وبالمظهر دون الجوهر.. وبالشكل دون المضمون.
نعم.. فرنسا مزدوجة المعايير لأنها تبكى دما من أجل 12 فردا ولم تسكب دمعة من أجل مليون جزائرى قتلتهم بدم بارد.. وتدعم داعش حينما كانت تقتل مسلمى سوريا وترفضها حينما تكتوى بنارها.
ولكننا يا سيدى أسوأ منها فلنا ألف معيار ومعيار.. يكفى أن فرنسا تحترم شعبها.. ونحن لا نحترم فى أوطاننا فنموت فى البحر غرقا من أجل أن نجد ملجأ أو مأوى فى أى وطن.. أو نموت فى ليبيا كما قتلنا فى العراق من قبل من أجل كسرة خبز لا نجدها فى أوطاننا.
آه يا سيدى أبا الزهراء.. إن ذنبنا عظيم وإرثنا ثقيل.. فعذرا سيدى.. اللهم إننا نبرأ إليك مما صنعته شارلى إبدو ونعتذر إليك مما صنعته أنفسنا بأنفسنا.