كان يردد: الفقير شريكى وله حق معلوم علينا، هدفى أن أفتح أكبر عدد من البيوت، حقوق الدولة مقدمة على حق الشركة، لا أحد يعمل عندنا بل يعمل معنا ونعمل معه، سخرنا الله لهم وسخرهم الله لنا، الشركة التى لا يشعر عمالها بالولاء فهى مجرد عرض زائل وبناء لا أساس له، الناس لها حقوق عندى، أنا أحب الناس، ليس المهم الفلوس ولكن المهم تشغيل الناس ومنحهم فرصة كريمة للحياة.
عين فى إحدى المرات ألف عامل فى مصانعه فقال له مستشاروه: نحن لا نحتاج لكل هذا العدد فقال: فتحت باب الرزق لألف بيت وأثق أن الله لن يغلق بيتا واحدا هو منزلى.
لابد للموظف أن يأتى للعمل سعيدا ويعود لمنزله سعيدا، الشركة التى ناسها بتحب بعض ربنا يكون معاهم، أما الشركة التى فيها زعل وخيانة يحضر فيها الشيطان.
لما سئل عن نجاحه قال: «ليست شطارة ربنا هو اللى عمل كده» الأموال تكون فى اليد وليس فى القلب، فإذا دخلت القلب أصبحنا عبيدا لها».
كان يفتخر أنه من أسرة فقيرة لم تكن تمتلك شبرا من الأرض، كان له شركاء فى بداية حياته فمرض أحدهم وامتنع عن العمل فأصر باقى الشركاء على طرده وأصر هو أن يكون له نصيب وهو مريض وفض الشركة معهم من أجله، فإذا بشركته تربح وتشترى محلات الآخرين وجعل لأولاد الشريك المريض نصيبه بعد موته.
كان لا يحب لفظ «رجل أعمال» ويحب لفظ «تاجر» ويقول هى مهنة الأنبياء ومهنة النبى الكريم، كان يؤمن بعتبة الخير ولذلك احتفظ بأول محل بدأ به تجارته فى الموسكى.
كان الخط الصناعى عنده يسير مع الخط الخيرى بالتوازى، لم يقطع مرتبات أى موظف لديه وقت محنة الكورونا رغم جلوسهم فى بيوتهم.
شركته هى الوحيدة التى عملت بكامل طاقتها أثناء وبعد ثورة يناير رغم التدهور الأمنى الذى حدث فى مصر ولم تتوقف عن العمل يوما، ولم يفكر عامل واحد فيها فى التذمر أو الإضراب أو رفع المرتب وقتها، كانوا جميعا يعتبرونه الأب الروحى والملهم لهم.
قدم لمبارك ورقة عمل فى مؤتمر الإصلاح الاقتصادى ليحل الزكاة بدلا من الضرائب بمنظومة حديثة تشبه منظومة رجل الأعمال السعودى «صالح كامل» ولكنها أهملت تماما وحزن لذلك فى صمت.
كان يؤمن بمبدأ زيادة البيع مع ربح قليل أفضل تجاريا، لقب بلقبين شهيرين «شهبندر التجار» «رجل الخير» وكان الثانى أحب إليه، بدأ التجارة فى قريته قبل العاشرة، وسافر للقاهرة ليبدأ مسيرة رحلة كفاح استمرت ثمانين عاما، لم يكن معه وقتها سوى أربعين قرشا، ظل 7 سنوات يعمل فى محل قطاعى بمرتب ثلاثة جنيهات شهريا، وانتقل إلى محل جملة عمل عنده 15 عاما بمرتب 4 جنيهات ارتفع فى نهاية المطاف إلى 12 جنيها.
كان كل يوم ينظر إلى محل البرنسيس «له خمسة أبواب» ويدعو «يارب مائة ألف جنيه ومحل البرنسيس» فكان مديره يقول: اطلب شيئا معقولا فيرد عليه: خزائن الله ملأى». زاروه بعدها فى محل به خمسة أبواب فقالوا له: دعوتها ونلتها».
كان يمنح جائزة لكل من يحفظ جزءًا من القرآن فى قريته وكل القرى المجاورة، لم يدع يتيما فى كل المحافظات حول شركته إلا ورعاه وكفاه وآواه، لم يترك مستشفى تحتاج إلى أجهزة تكييف إلا ومنحها دون مقابل وكان فى كل مرة يشكر الأطباء الذين جاءوا يطلبون ذلك لأنهم دلوه على الخير فيعجب الأطباء لذلك.
توسع فى منظومة الخير حتى أقام واحدة من أهم مؤسسات الخير فى مصر «مؤسسة العربى الخيرية».
كان يفتخر بوالده المزارع بالأجر والذى تعلم منه حكمته «قل الحق وما تخافش إلا من الذى خلقك»، وتعلم من والدته الفلاحة الريفية الإيمان والحكمة الفطرية مع الصبر والقناعة.
بدأ شركته بعامل واحد والآن وصل عدد الموظفين والعمال فى شركته إلى الآلاف وتصدر منتجات شركته إلى 60 دولة، بدأ حياته بـ 40 قرشا وانتهى بشركة رأسمالها عدة مليارات من المال الحلال المدفوع زكواته وضرائبه وصدقاته.
وهو الوحيد من مؤسسى الشركات العائلية الذى رحل عن الحياة مطمئنا على قوة مؤسسته وترابط أولاده وأحفاده لأنه رباهم على قيم الجد والاجتهاد والعمل، وعدم الإسراف وترك المعاصى والخمور والزنا والعزوف عن مظاهر الكبر والبذخ والمجون، فلم يلبس المرحوم العربى شيئا من «البرندات العالمية» التى يصر الشاب المصرى الفقير الآن على لبسها، أرسل الآلاف من عماله وموظفيه وتجار تجزئته إلى العمرة كهدية من شركته، حصل على أعلى وسام يابانى من الإمبراطور اليابانى.
إنه نموذج فذ للرأسمالية الوطنية الخيرة المحبة للدين والوطن والناس والفقراء والتى تعمر فى الكون وتصلح فيه.
المرحوم محمود العربى له منة وفضل على مئات الآلاف وهؤلاء احتشدوا جميعا لوداعه الأخير، وجاءوا من كل حدب وصوب، أكثر من ثلاثين ألفا ودعوه، جنازة لم تشهدها مصر منذ سنوات، إنهم شهداء الله فى الأرض.
وصفه السيسى «بالرجل العظيم» ونعاه شيخ الأزهر قائلا: «كان محبا لوطنه مسارعا فى الخير».
سلام على صانعى المعروف وباذلى الخير والرحماء، فإنهم سند الضعيف ومأوى المحتاج وغوث الملهوف، سلام على شهبندر التجار رجل الخير المرحوم «محمود العربى» فى العالمين.