‎أحمد مستجير شخصية معرض الكتاب 2025 - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 19 يناير 2025 1:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

‎أحمد مستجير شخصية معرض الكتاب 2025

نشر فى : السبت 18 يناير 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 18 يناير 2025 - 7:25 م

 (1)
‎أيام قليلة ويُفتتح عرس الكتاب الأكبر والأشهر والأعرق فى المنطقة العربية كلها؛ أقصد معرض القاهرة الدولى للكتاب الـ56 خلال الفترة من 23 يناير وحتى 5 فبراير 2025.
‎ذلك الكرنفال الجماهيرى الحقيقى الأصيل الذى ما زال محتفظًا ببريقه وحضوره بين عديد المعارض الأخرى، بفضل جمهوره وحده؛ بفضل إقبال المصريين على زيارته، وعلى شراء الكتب واقتنائها رغم الظروف الاقتصادية والتحديات الضخمة والأعباء الجسام التى تثقل القاصى والدانى، فما زال الجمهور على العهد والوعد.. ينتظر المعرض من السنة للسنة، يتحضر له ويتهيأ لزيارته؛ من كل الأعمار والفئات والشرائح والطبقات، ظاهرة عجيبة يحار فيها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والثقافة والمعرفة!
‎عمومًا؛ وقبل أيام من الافتتاح الرسمى للمعرض يوم 23 يناير الجارى، وافتتاحه للجمهور فى اليوم التالى، فإن المبشرات بنجاحه على مستوى الكتب والإصدارات، كمًّا ونوعًا، شكلًا ومضمونًا، إخراجًا وغلافًا.. إلخ، وكذلك الإقبال الجماهيرى المتوقع، كلها متفائلة وتتعشم فى كرم الله ولطفه بألا يضيع تعب ولا مجهود هؤلاء الناشرين والمؤلفين وكل المتصلين بهذه الصناعة الوطنية المهمة الحيوية الضرورية فى أى مجتمع ناشئ أو ناهض أو باحث عن المستقبل! فلا مكان تحت الشمس إلا لمن آمنوا بالعلم والمعرفة والثقافة سبيلًا وحيدًا للتقدم والأمان والاستقرار، وضمان رخاء الشعوب وسعادتها.
‎وقد كان من هذه «المبشرات» التى تدعو للتفاؤل اختيار شخصية العالم الجليل النبيل الراحل الكريم الدكتور أحمد مستجير شخصية المعرض 2025 لتكون الشخصية الرسمية المحتفى بها، وموضع التكريم والتذكير بقيمة هذا العالم الجليل، وما أسداه من خدمات رائعة للعلم أولًا، وللثقافة والمعرفة ثانيًا، ولأبناء مصر من الشباب عندما ساهم بهمة ونشاط ودأب منقطع النظير فى الدعوة إلى «التفكير العلمى»، ونشر العلوم والثقافة العلمية وتبسيطها من خلال جهوده العظيمة، على مدى يقرب من نصف القرن؛ تأليفًا وترجمة ونشرًا للمقالات وعضوية اللجان والمساهمة بكفاءة وفعالية فى الحقل الأكاديمى أو المجال العام.
‎أتحدث عن الدكتور أحمد مستجير (1934-2006) الذى غادر عالمنا منذ ما يقرب من عشرين سنة، وقد ترك إنجازًا رائعًا وباقيًا بكل تفاصيله ودلالاته، وما يمثله من إلهام وأمل وثقة فى العلم والمستقبل، حتى وقتنا هذا وإلى ما شاء الله.
(2)
‎على المستوى الشخصى، تعرفت على اسم المرحوم أحمد مستجير من مقالاته التى كان ينشرها فى مجلة (العربى) الكويتية الشهرية فى تسعينيات القرن الماضى، وقد كانت المجلة الثقافية الأولى التى ننتظرها بشغف من الشهر للشهر.
‎ثم تعرفت عليه من سلسلته التبسيطية الرائعة (فى بحور العلم)، فى سلسلة (اقرأ) الشهيرة. كانت هذه الكتب الرائعة نافذة مبهرة على أحدث ما وصل إليه العلم فى كافة المجالات: فى الأحياء، والهندسة الوراثية، والفيزياء والكيمياء، والطب.. ولم يكن الدكتور مستجيرًا متوقفًا عند حدود النظريات والحقائق والقوانين، يعرضها عرض عالم خبير ويشرحها شرح متمكن أريب، بل يعرض أيضًا للتطبيقات المفيدة والرائعة لهذه الحقائق والقوانين، فهو يربط بين «نظريات العلم» وترجماته «التطبيقية»، وقد كان هو بذاته رائدًا عظيمًا فى هذا المجال، من خلال بحوثه الممتازة فى مجال الزراعة والهندسة الوراثية، وعلم الجينوم لتحسين سلالات بعينها من الزراعات والنباتات، كما أسهم ببحوثه الرائدة العظيمة فى استنبات أنواع معينة من الحبوب والخضراوات وتعظيم محصولها فى بيئات كانت تستعصى على هذه الزراعة.
‎وهكذا مثّل لى الدكتور مستجير نموذجًا فذا لمحبة العلم والإيمان به، والسعى فى طريقه، هذا هو العلم الذى نحبه ونجله ونسعى لأجله وفى سبيله، العلم الذى يقدم ثمراته للإنسانية كلها من دون النظر إلى لون أو عرق أو جنس أو دين.. فالعلم لا دين له ولا جنسية.
‎هكذا كان يؤمن الدكتور مستجير، وهكذا ضرب أروع الأمثلة باجتهاده ونبوغه، وإنجازه الكبير، وبسيرته أيضًا ورحله حياته وكفاحه التى ضرب فيها أروع الأمثلة على المثابرة والاجتهاد والانتقال من حدود الضرورة إلى آفاق لا تحد من المعرفة الإنسانية، تتجاوز الحدود والمسافات واللغات والأعراق، ومن ضيق العيش ومحدودية الظروف والإمكانات إلى سعة القراءة والبحث والتأليف والترجمة، وكلها تؤدى فى النهاية إلى غاية واحدة: النهوض والتقدم والمشاركة فى صنع الحضارة الإنسانية والالتقاء على هدف واحد «الإنسان».
(3)
‎والدكتور أحمد مستجير، لمن لا يعرفه، عالم البيولوجيا المرموق، ورائد من رواد الهندسة الوراثية، وأستاذ جامعى بارز، من مواليد المنصورة عام 1934، كان أبرز من تولوا عمادة كلية الزراعة بجامعة القاهرة، التى اكتسبت شهرة واسعة عربيًا وعالميًا خلال تلك الفترة بفضل جهود الدكتور مستجير.
‎ملأ الحياة العلمية والأدبية نشاطًا، له مؤلفات وترجمات علمية مرجعية، منها: «دراسة فى الانتخاب الوراثى»، «الربيع الصامت».. وغيرها، هذا إضافة إلى مؤلفاته فى الأدب وتبسيط الثقافة العلمية، ومنها سلسلته الشهيرة «فى بحور العلم».
‎تُوفى عام 2006 وترك إرثًا كبيرًا فى مجالى العلوم والأدب استحق معه بلا جدال أن يكون شخصية المعرض لهذا العام.
(وللحديث بقية)