لا بد من طرح السؤال حول القمة العربية القادمة التى ستستضيفها تونس نهاية هذا الشهر. هل ستكون قمة روتينية، رقما جديدا يضاف إلى عدد القمم التى، حسب نظام جامعة الدول العربية، يجب أن تعقد كل عام خلال شهر مارس.
قمة تقوم خلالها كل دولة بعرض موقفها المعروف عادة من هذه القضية أو تلك، وتنتهى ببيان عام يحضر مسبقا، «طالما هو تكرار لمواقف سابقة بشكل عام، مع بعض إضافات أو تنقيحات أحيانا». بيان يكرر مواقف مبدئية من القضايا الأساسية فى المنطقة، يطالب ويناشد كما يدين ويستنكر. بيانا ومعه قرارات مكررة، قد يحمل بعضها تحفظا من دولة أو أكثر على القرار أو على أحد بنوده، خاصة بشأن الموقف من إيران ومن حلفائها فى المنطقة فى إطار الحرب الباردة المتصاعدة فى الشرق الأوسط.
من الممكن ومن المرتجى، أن يكون هنالك استثناء، وهو إن حصل لن يكون للمرة الأولى فى تاريخ الجامعة العربية ولو من المرات القليلة، للبحث الجدى فى التوصل إلى بلورة مقترحات وسياسات عملية تجاه بعض التحديات والمخاطر. سياسة تحظى بتوافق فعلى واسع وليس فقط بتوافق كلامى، وباستعداد لتوفير الدعم المطلوب لهذا التوافق لاحقا بحيث لا ينتهى مفعول القرار المتخذ فى القمة، لحظة انتهاء القمة، بل يؤسس على هذه الأخيرة لبلورة سياسات عربية مشتركة.
***
فى ما يلى بعض هذه التحديات التى يجب أن تحظى بأولوية التعامل معها بسبب تداعياتها الخطيرة، وهى تداعيات على الكل العربى إن لم تكن فى اللحظة نفسها، ففى أوقات مختلفة:
أولا: للتذكير بسوء الأوضاع العربية، نشير إلى بيان للبنك الدولى بشأن التكلفة العامة للحروب والنزاعات المسلحة التى شهدتها الدول العربية منذ عام 2010 وحتى عام 2018 التى تبلغ نحو 900 مليار دولار. ذلك يشمل تكلفة الدمار وفرص النمو الضائعة. واعتبر هذا الرقم كحد أدنى. كما أشار التقرير إلى «تراجع كبير فى مؤشر عدالة توزيع الدخل، وجاءت فى ذيل دول العالم متأخرة فى ذلك عن أمريكا اللاتينية وإفريقيا».
وكان من المنتظر أن تتناول القمة الاقتصادية التنموية العربية فى بيروت فى يناير الماضى هذا الأمر ضمن أمور أخرى ولكن طبيعة السياسات العربية أسقطت مستوى القمة من حيث التمثيل واتخاذ القرار، مما أفقدها مصداقيتها لجهة طبيعة ونوعية المداولات والقرارات والمتابعة.
ثانيا: دخول «الربيع العربى» عامه التاسع، ولو أنى أفضل تعبير «الفصول الأربعة» على التعبير المتعارف عليه: دول انفجرت وصارت دولا فاشلة تعيش حروبا أهلية مثل سوريا وليبيا واليمن وصراعات دولية وإقليمية على أرضها ودول لم تسقط فى أتون الحرب الأهلية و«حروب الآخرين» على أرضها، ولكنها تشترك مع جميع الدول الأخرى، ودول لم تشهد «الربيع العربى» فى تردى أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وازدياد هذا التردى والمخاطر التى يحملها على الأمن والاستقرار إذا لم يتم التعامل معه بفعالية: إنها بمثابة قنابل موقوتة جاهزة للانفجار أو للتفجير عن بعد.
ثالثا: يرى عدد من المراقبين أننا نعيش عشية «ربيع عربى ثان» بدأت انطلاقته من الجزائر والسودان مع ما يحمله من تداعيات على دول أخرى مع الوقت.
رابعا: غياب ساطع وفاضح لدور عربى فاعل لتسوية الملفات الساخنة وخاصة فى سوريا وليبيا فكأنما العرب مجرد مراقبين غير معنيين بما يجرى بين جدران بيتهم مع ما لذلك من تداعيات عليهم حاضرا ومستقبلا إن لم يشاركوا فى صنع الحلول.
وقد شهدنا بداية تطبيع عربى فردى مع سوريا باتجاه إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية وخفت سرعة هذا التطبيع كما توقفت إشارات البحث بالعودة السورية إلى الجامعة بناء على «نصائح غربية» خاصة بإعادة تحديد توقيت ذلك بعد انطلاق قطار التسوية السياسية. القطار الذى لم ينطلق بعد.
خامسا: تأتى القمة عشية الانتخابات الإسرائيلية التى ستعيد اليمين المتشدد إلى السلطة، أيا كانت تركيبة الكنيست الجديدة وعشية انطلاق «صفقة القرن» الأمريكية.
عناصر هذه الصفقة التى اتضحت أيضا عبر «اللغة الأمريكية» الجديدة حول القدس والأراضى المحتلة واللاجئين. كلها تدل على أن مشروع السلام الأمريكى لا يمكن أن يلاقى الحد الأدنى المقبول فلسطينيا وعربيا إذ يسقط أسس وقواعد ومبادئ عملية السلام ومرجعياتها. فكيف سيكون الرد العربى على ذلك؟
هل سيكتفى العرب بحوار الطرشان القائم على ترداد التمسك الكلامى بمبادرة السلام العربية دون توفير أى قوة دفع لها على الأرض وذلك بنية عدم الاصطدام بالموقف الأمريكى لأسباب استراتيجية إقليمية.
القمة القادمة تقع على مفترق طرق: هل ستكون مجرد رقم يضاف إلى عدد القمم العربية السابقة، أم تشكل لحظة توقف بغية العمل على بلورة توافق الحد الأدنى الممكن للتعامل المشترك مع هذه التحديات حتى لا يستمر الانهيار الذى ستدفع ثمنه الشعوب العربية فى النهاية.