قرار ترامب حول إيران وانعكاساته على الأزمة السورية - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 1:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرار ترامب حول إيران وانعكاساته على الأزمة السورية

نشر فى : الأربعاء 18 أكتوبر 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 أكتوبر 2017 - 9:20 م

جملة من عناصر تغيير قواعد اللعبة برزت هذا العام حاملة الآمال بولوج بداية الطريق نحو التسوية السياسية للأزمة السورية. التسوية التى كانت عنوانا دون أى مضمون عند طرفى الصراع، قائمة على شروط تعجيزية لا تسمح بتحقيقها. وكان «مسار جنيف» خير دليل على ذلك. حالة من التعب طالت الكبار الدوليين والإقليميين ساهم فيها تبلور القناعة بعدم إمكانية تحقيق الأهداف التى رفعت فى البداية، فلم يعد عنوان إسقاط رأس النظام شرطا لإطلاق العملية السياسية ممكنا من جهة، ولا إدارة عملية سياسية تجميلية تحافظ على النظام مع تغييرات شكلية ممكنا أيضا من جهة أخرى. حالة من القلق استقرت عند هؤلاء اللاعبين من مخاطر خروج الصراع عن السيطرة وتفتيت سوريا بشكل يعرض مصالح الجميع للخطر ولو بأشكال وأوقات مختلفة. وتبلور اقتناع بأن الحل العسكرى غير ممكن وأن المطلوب لتحضير عملية الحل السياسى احتواء الصراع العنيف أفقيا فى الجغرافيا وعموديا فى تصعيد القتال، والمفتوح على جميع الاحتمالات.
وجاء الخطر الداعشى ليحقق أولوية متوافق عليها فى محاربته بين المتصارعين على سوريا دون أن يعنى ذلك تخلى هؤلاء عن أولوياتهم السورية ولو تم مع الوقت تعديل فى بعضها. الخطر الداعشى فى إقامة دولة الخلافة وفى انتشاره العابر للحدود كان متغيرا أساسيا فى قواعد اللعبة عند المتصارعين حول سوريا. هذه العناصر كانت وراء إطلاق مسار أستانة بقيادة الترويكا الروسية الإيرانية التركية التى ساهمت مخاوفها المشتركة أو المتوازية من تصاعد حدة الصراع فى بلورة تفاهمات تدريجية فى ما بينها. هذه الأطراف الثلاثة هى الأكثر انخراطا ونشاطا ووجودا على أرض الصراع.
***
واشنطن سلمت بالمبدأ بسبب تغيير قواعد اللعبة، ولو مع تحفظات تتعلق بالتفاصيل بهذا المسار بعد أن أثبت مسار جنيف عدم قدرته على الإقلاع الفعلى وتحقيق النتائج المطلوبة فى احتواء الأزمة وتسوياتها.
عنصر آخر ساهم فى تغيير قواعد اللعبة، خاصة بالنسبة لتركيا وإيران، تمثل بالخطر الكردى الحامل لنوايا استقلالية بالنسبة لهما ولو تحت مسميات أخرى. وساهم الاستفتاء فى كردستان فى تعزيز مخاطر هذا السيناريو المحتمل.
مسار أستانة كان شديد الواقعية من حيث إسقاط الشروط المسبقة والعمل على انخراط المقاومة المسلحة الموجودة على الأرض فى المفاوضات. يهدف ذلك إلى احتواء النزاع وإدارته فى الحد الأدنى الممكن من العنف عبر خلق مناطق خفض التوتر وتعزيزها وتوسيعها. وتبدو هذه بمثابة امتحان نوايا بخصوص إجراءات بناء الثقة بين جميع المتصارعين، رغم أن الخوف من أن تتحول إلى نوع من «التقسيم الناعم» ــ كما حذر دى مستورا ــ يبقى قائما إذا ما استقرت هذه المناطق دون وجود أى أفق فعلية للحل.
وعززت أولوية محاربة داعش تبلور تفاهم رباعى على الأرض مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الذين ذاقوا طعم الخطر الداعشى فى مجتمعاتهم. وبدأ المحور العربى المناهض بقوة للنظام فى سوريا بالقبول بالانخراط فى سياق اللعبة الجديدة والقبول بقواعد ومنطق مسار أستانة. كما ظهر الدور المصرى بشكل أكبر، وهو الدور الذى حكمه دائما منطق الحفاظ على المؤسسات بغية تلافى مخاطر تقسيم سوريا ومنع قيام سيناريو عراق آخر فى سوريا. وبدأ المشهد السورى سائرا نحو احتواء الصراع بنجاح دون أن يلغى الصراع الإيرانى الأمريكى حول من سيمسك بالحدود السورية العراقية، وهل ستبقى جسرا إيرانيا نحو سوريا ولبنان، أم تصبح حائطا بوجه إيران. وبالطبع، لم يحسم الأمر لمصلحة طرف فى هذه المعادلة. وفى الجنوب الغربى لسوريا كان التفاهم الأمريكى الروسى الإسرائيلى واضحا بشأن الجولان، وقوامه أن يبقى كما كان قبل الحروب السورية، وألا يتحول امتدادا للحدود اللبنانية الإسرائيلية من حيث إبقاء النفوذ الإيرانى عبر حلفاء طهران بعيدا عنه.
لوحة شديدة التعقيد تحكمها عملية تفاهمات متقاطعة وبالقطعة تحت سقف تخفيض التوتر. وصرنا نسمع كلاما من نوع قبول الروسى بنظام فيدرالى فى سوريا إذا ما طرح الأمر، وتصريحات رسمية سورية عن القبول بالبحث بحكم ذاتى للأكراد. لوحة استقر فيها الدور الروسى كمايسترو أول فى عملية احتواء الصراع وبناء التوافقات بغية إطلاق العملية السياسية.
***
لكن نشهد اليوم مخاطر العودة إلى المربع الأول مع انفجار الأزمة الأمريكية الإيرانية التى سببها حجب المصادقة من طرف الرئيس ترامب على الاتفاق النووى مع إيران وإعادته إلى الكونجرس للبحث فيه واتخاذ القرار بشأنه مجددا. موقف يؤيده أكثر الحلفاء العرب لواشنطن ويعارضه حلفاؤها الغربيّون الأعضاء فى الاتفاق، إلى جانب موسكو وبكين. والجدير بالذكر أن واشنطن رفضت بالأمس القريب المقترح الفرنسى بتشكيل مجموعة اتصال حول سوريا تضم الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن والقوى الإقليمية الفاعلة فى الأزمة السورية واضعة الفيتو على مشاركة إيران. وهذا الموقف سيزداد تصلبا مع القرار الرئاسى الأخير ويسقط إمكانية إيجاد الآلية الأكثر من ضرورية ومن منطلق جد واقعى للعمل على احتواء الحرب السورية وإطلاق عملية التسوية السلمية.
فهل نحن فى طريق العودة للمربع الأول، ولو أن اصطفافات الأمس تغيرت؟! لكن حدة اصطفافات اليوم بسبب المواجهة الأمريكية مع إيران الحاملة لمختلف أنواع المواجهة فى سوريا قد ازدادت، الأمر الذى قد يزيد الصراع اشتعالا وتعقيدا فى سوريا وحولها من بغداد إلى بيروت.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات