يوم الأربعاء الماضى «١٥ نوفمبر» نشرت فى هذا المكان مقالا بعنوان: «لماذا تعثرت المشروعات الصغيرة؟»، وقلت خلاله إن مسئولا مهما فى المجموعة الاقتصادية، قال لى إن القطاع المصرفى لابد أن يضمن استرداد قروضه من الشباب، وهذا يحتاج لتأهيل وتدريب هؤلاء المقترضين تعليميا وثقافيا واقتصاديا، بل وتأهيل المجتمع بأكمله، ليكون قادرا على الاستثمار الصحيح.
فى يوم نشر المقال عصرا كنت أتحدث مع «مسئول حكومى اقتصادى بارز جدا» عبر «الواتساب» المسئول البارز قال لى ما يلى:
علينا أن نقف ونحاسب أنفسنا للحظة، نحن نقول دائما بضرورة توفير فرص العمل للشباب والخريجين، ولو لاحظت فسوف تجد أن النسبة العليا من الخريجين يحصلون على تقدير مقبول. وإذا كان الشباب يطمح فى فرصة عمل جيدة، فلماذا لا يجتهد ويحصل على درجة الامتياز؟!
تقدير مقبول تعليميا يعنى أن الشاب أو الخريج قرر أن يستسهل، ولا يتحمل المسئولية، بدلا من أن يكد ويتعب ويسهر الليالى.
هذا الشاب قبل تخرجه كان يفترض أن يعلم أن حصوله على فرصة عمل جيدة يعنى أن يتفوق، لأنه سوف ينافس مئات الآلاف على وظيفة واحدة. سيقول البعض إن كثيرين يحصلون على درجات علمية كبيرة، لكن وبما أن مشكلتنا الكبرى هى التعليم، فإن بعض التقديرات والدرجات العلمية المصرية، لم تعد تساوى الكثير بمعدلات العالم الناشئ، وحتى المادة العلمية صارت منفصلة عن الواقع.
يضيف المسئول البارز أن تقدير مقبول وحتى جيد يعنى أنه يجب علينا معاملة الخريج باعتباره حاصلا على دبلوم وليس بكالوريوس.
يسأل المسئول: لماذا ينتظر هذا الخريج سنوات طويلة من أجل الوظيفة، بدلا من استخدام هذا الوقت فى تحسين المؤهل أو الدرجة أو المهنة التى حصل عليها، أو تحويل مساره بالالتحاق بجامعة أخرى تؤهله لعمل يجيده بصورة أفضل؟!
فى تقدير هذا المسئول أنه لا يمكن إعطاء وظيفة لصاحب التقدير مقبول، حتى يدرك الجميع أن التطلع إلى حياة أفضل ومكتسبات أحسن لا يتأتى إلا بالعمل الجاد والشاق.
عند هذه النقطة قلت للمسئول، ولكن مسئولية الحكومة أيضا أن توفر المناخ المناسب والتعليم المناسب، بحيث تخلق مسارات يسير عليها الطلاب، فرد: وهل فى البلاد الأخرى تفعل الحكومات ذلك؟!
قلت له: مسئولية الحكومة أن تطور التعليم الفنى والجامعى، ومعظم العالم المتقدم يوفره بالمجان، وهو رد بنعم، لكنه يعتقد أن هناك مقاومة لأى حالة من الإصلاح تقترب أحيانا من الحرب.
قلت له حتى لو كان هذا صحيحا، فعلينا ألا نضحك على أنفسنا ونقوم بتخريج مئات الألوف من المعاهد والدبلومات الفنية، ونحن نعرف أننا لم نعلم الخريحين شيئا؟
رد الرجل بقوله: موازنة التعليم غير الجامعى تصل إلى ٨٠ مليار جنيه سنويا، ويتم إهدار المليارات على ١٫٥ مليون مدرس، معظمهم غير مؤهلين ولا يستحقونها. وللأسف فإن أحد مشاكلنا الكبرى أننا نعمل بسياسة الكم، ولا أحد يحاسب أحدا.
وهذه السياسة ــ كما يرى ــ أضاعت علينا سنوات طويلة وموارد كثيرة. والأسوأ أن الدستور يحمى الموظف والمدرس الكسول فى كل الأحوال، بل إن القضاء يتدخل فى ترقيات الموظفين وروابتهم، بل ويرقى الموظفين فى البنك المركزى، وهذا لا يحدث فى أى دولة فى العالم تريد أن تتقدم.
سألت المسئول البارز: وكيف نخرج من هذه الدوامة حتى لا نعيد إنتاجها؟!
قال لابد أن ينص الدستور أنه لا راتب أو مكافأة أو ترقى إلا على أساس الجدارة والكفاءة الحقيقية. لكن استمرار سياسة أن الوظيفة الحكومية مضمونة، فلن يكون هناك أمل، لأنه فى هذه الحالة إذا ارتاح الموظف وشعر بالأمان وأنه لن يفقد وظيفته مهما فعل، فلن يتقدم أو يتطور.
عند هذه النقطة انتهى الحوار.. وأنا مستعد أن أتفق مع كل ما قاله هذا المسئول الكبير والمهم، شرط أن توفر الدولة أو الحكومة التعليم الصحيح والجاد للجميع، وأن تكون هناك مساواة فعلية للجميع أمام القانون، وعدالة فى مسابقات التوظيف والترقى، وتطبيق فعلى لمبدأ الثواب والعقاب والشفافية، والمحاسبة للجميع على أسس واحدة، والمنافسة الحقيقية فى كل مجالات الحياة من أول مباريات الكرة إلى النشاط الاقتصادى.