حرب باردة فى شكل جديد.. وبقضايا جديدة - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 12:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرب باردة فى شكل جديد.. وبقضايا جديدة

نشر فى : الإثنين 19 أبريل 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 19 أبريل 2021 - 7:35 م
يرى عدد كبير من المراقبين والمسئولين فى جميع أنحاء العالم أن هنالك جملة من المؤشرات القوية والمتعددة على صعيد العلاقات الدولية التى تدل على أننا نشهد ولادة نظام حرب باردة جديدة تذكرنا بتلك التى كانت قائمة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط الاتحاد السوفياتى ومعه حلف وارسو. وفى هذا النموذج العائد أو المولود من جديد احتلت الصين الشعبية مكان القطب السوفياتى فى مواجهة الولايات المتحدة فيما تراجعت مكانة روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفياتى وإن لم تفقد بالطبع دورها وكذلك مكانتها على الصعيد الدولى. من أهم أسباب هذا التحول أن القوة الاقتصادية فى عصر العولمة الجارفة حلت محل القوة العسكرية كالعنصر الأساس فى صناعة النفوذ الدولى فى عالم اليوم دون أن تلغى أو أن تهمش كليا دور عناصر القوة الأخرى من سياسية وعسكرية وغيرها. صراع الحرب الباردة الماضية نظمها وحكمها العنصران الاستراتيجى والعقائدى الذى كرسهما حلفان عسكريان انتهى «الشرقى» منهما كما أشرنا بعد تغيرات أساسية طالت هذين العنصرين، وفقد الآخر الغربى (حلف شمال الأطلسى)، بعد فقدان العدو، قوة الحوافز الضرورية للحفاظ على ديناميته وجهوزيته.
جملة من المؤشرات مؤخرا تدفع لإلقاء الضوء على العودة لنظام الحرب الباردة حسب أصحاب هذا الرأى: من أهمها ازدياد حدة المواجهة والتحذيرات المتبادلة كما نشهد هذه الأيام حول أوكرانيا بين الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية وازدياد الدعوة لضمها إلى الاتحاد الأوروبى من جهة والموقف الروسى التى تندرج أوكرانيا ضمن مجاله الاستراتيجى التاريخى الحيوى من جهة أخرى. إنها المواجهة حول الإمساك بالحدود الشرقية لأوروبا وتوسيع حدود النفوذ شرقا فى المجال الحيوى الروسى ورد هذه الأخيرة على ما تعتبره محاولات مد النفوذ الغربى إلى حدودها. تسخين سياسى آخر يحصل حول تايوان والتحذيرات الغربية للصين الشعبية من محاولة تغيير الوضع القائم والمتفاهم عليه و«وقلب الطاولة» وهو أمر مرفوض. وتتركز الاستراتيجية الأمريكية الحالية على إعطاء أولوية فى مواجهة الصين الشعبية فى «مسرحين استراتيجيين» أساسيين هما منطقتى المحيطين الهادى والهندى وذلك أساسا عبر بناء تحالف رباعى ناشط يضم إلى جانب الولايات المتحدة كل من اليابان والهند وأستراليا. استراتيجية الصين الشعبية القائمة على عنوان «حزام واحد طريق واحد» لا تهدف فقط لبناء نفوذ اقتصادى واسع وقوى على صعيد الجغرافيا الاقتصادية العالمية بل يواكبه بناء وتعزيز نفوذ سياسى استراتيجى للصين الشعبية على الصعيد العالمى. وفى الشرق الأوسط تبرز الاندفاعة الصينية عبر البوابة الاقتصادية، عاملة على إقامة علاقات تعاون وشراكة مع قوى إقليمية متنافسة أو متخاصمة سياسيا. يعكس ذلك طبيعة السياسة الصينية الجديدة؛ السياسة البراجماتية البعيدة كل البعد عن المواقف «الأيديولوجية» التى يحاول البعض استقدامها من ماض انتهى وإسقاطها على سياسيات صينية معينة. والشىء ذاته يمكن أيضا قوله فيما يتعلق بسياسات روسيا الاتحادية. هنالك تنافس شديد بين الولايات المتحدة والصين الشعبية وحرب اقتصادية بينهما وتنافس حاد فى مجالات معينة مثل مجال التكنولوجيا ولكن هنالك مصالح مترابطة ومتداخلة بينهما، وللتذكير فحجم التبادل فى السلع والخدمات بين البلدين يصل إلى نصف تريليون دولار. إنه مثال ساطع على أننا نعيش فى عالم تحكمه لدرجة كبيرة عولمة جارفة فى مجالات عديدة ولكننا نشهد مقاومة متزايدة لهذه العولمة، خاصة فى «الغرب» الذى أنتجها بسبب ما أدت إليه هذه الأخيرة رغم إيجابياتها الكثيرة من فروقات متزايدة بين الدول وضمن المجتمعات المختلفة. مقاومة تأخذ أشكالا وأبعادا مختلفة، منها الدعوة لإقامة نظم حمائية وطنية، تعزز المخاوف من «الآخر» المختلف وكذلك أفكار الانغلاق وإقامة الجدران أمام الآخر. إن القرية الكونية التى نعيش فيها شهدت وتشهد صعود قوى وتراجع قوى أخرى وتحالفات لم تعد كلية أو مطلقة وحاملة أو مرتكزة على عقائد استراتيجية كما كان عالم الأمس منذ عقود من الزمن. إن تحالفات اليوم صارت «بالقطعة» أو حسب كل قضية أو مصلحة حيوية وطنية. يزيد ذلك من حجم التفاعل بين ديناميات الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية فى لعبة السياسات الدولية وكذلك فى حجم التفاعل بين سياسات الاندماج العالمى التى تعبر عنها العولمة من جهة والمقاومات المختلفة العناوين والمسببات والأبعاد لتلك العولمة من جهة أخرى.. هذه كلها عناصر ومعطيات ستحكم وتتحكم بأى نظام حرب باردة جديدة قد ينشأ ولن يكون شبيها ببنيته وبدينامياته وبأبعاده وأولوياته بذلك النظام الذى عرفناه فى الماضى.
ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات