دستور المدينة.. عبقرية التعايش السلمى - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 11:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دستور المدينة.. عبقرية التعايش السلمى

نشر فى : الجمعة 19 أبريل 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 19 أبريل 2024 - 7:05 م

* بعد هجرة الرسول «ص» إلى المدينة المنورة كتب وثيقة المدينة، وهى من أهم وأوائل الدساتير فى العالم، والبعض يسميه «دستور المدينة»، أو «العهد النبوى» أو «الدستور المدنى» أو «صحيفة المدينة»، ويعد هذا الدستور أحد مفاخر الحضارة الإسلامية وأحد معالم مجدها الإنسانى والسياسى معًا.

* وهو أول وثيقة حقوقية فى تاريخ العرب على الأقل، وعقد مواطنة متقدم على عصره، وعلامة مضيئة فى تاريخ الحضارة الإسلامية والإنسانية معًا.

* وكان بالمدينة وقتها المسلمون واليهود، وينقسم المسلمون إلى مهاجرين وأنصار، واليهود لديها ثلاث قبائل بنى النضير وبنى قريظة وبنى قينقاع وكل هذه الأطياف شملتها الوثيقة، وهى التى اعتبرت اليهود وقبائلهم جزء من مواطنى الدولة وذلك واضح من نص الوثيقة، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.

وبهذه الوثيقة تحددت معالم الدولة الوليدة فأرضها المدينة، ورئيسها الرسول ﷺ والمسلمون فيهم أمة واحدة انتقلوا من إطار القبيلة إلى إطار الأمة والدولة والإطار القانونى لها هو الشريعة والإسلامية، و ينبغى على مواطنيها جميعًا من المسلمين واليهود الدفاع عنها مجتمعين ضد أى عدوان خارجى.

* وهذا الدستور حول الدولة الوليدة إلى دولة توافقية رضائية، بعد أن كانت قبائل ممزقة.

* وقد حوت الوثيقة 52 بندًا، 25 منها تختص بأمور المسلمين، 27 بندًا ينظم العلاقة بين المسلمين واليهود.

* وقد قال المستشرق الرومانى جيورجيو مادحًا الوثيقة «دون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية» وحرية إقامة شعائرهم.

* ومن أهم ملامح دستور المدينة ما يلى:

* أولًا إنهاء مرحلة القبلية وبداية مرحلة الأمة والدولة:

* وجاء هذا المعنى فى هذا النص «إنهم إى الشعب المسلم أمة واحدة من دون الناس»، وهذا نقل العرب لأول مرة من مستوى القبيلة والدوران حولها والانتصار لها إلى مستوى الأمة.

* ثانيًا التكافل الاجتماعى بين فصائل الدولة:

* فذكر المهاجرين، وبنى عوف، وبنى ساعدة، وبنى جشم، الأوس، يتعاقلون بينهم «يدفعون الدية» وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف «أى تفك أسراها وتدفع فديتهم» والقسط بين المؤمنين «أى العدل بينهم».

* ثالثًا: حماية الأقليات غير المسلمة:

* نصت الوثيقة: «وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين، ولا متناصر عليهم». بمعنى يجب على الدولة نصرتهم والدفاع عنهم ضد من يعتدى عليهم بغير حق من داخل الدولة أو خارجها.

* رابعًا: الكفالة الاجتماعية وضمان الديات:

* فقد ضمن دستور الدولة الديات لأهل القتيل ما أبطل عادة الثأر بين قبائل العرب التى مزقتهم وشردتهم قبل الإسلام، وألزم الدستور الجديد المسلمين جميعًا أن يكونوا ضد المعتدى الظالم حتى يحكم عليه القاضى بحكم الشريعة.

* وهذا كله أدى إلى استتباب الأمن واستقرار المجتمع أمنيًا واقتصاديًا.

* جاء فى دستور المدينة: "وإنه من اعتبط مؤمنًا قَتلا عن بينة، فإنه قود به، إلا أن يرضى ولى المقتول بالعقل أى الدية، وإن المؤمنين علية كافة اعتبط أى أهدر دمًا أو قتل".

* خامسًا: المرجعية القانونية للدولة هى الشريعة الإسلامية:

* جاء فى نص الوثيقة أن المرجعية فى أى نزاع أو خلاف بينهم تكون للشريعة الإسلامية «وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد»، وهى شريعة حية مرنة ومتكاملة لا تعرف المحاباة لأحد لأنها من عند الله وحده.

* سادسًا: دعم الدولة فى حالة الاعتداء الخارجى:

* جاء فى دستور المدينة "وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين”، ويعنى ذلك أن المدينة وطن للجميع وعليهم جميعًا تحمل الأعباء المالية للدفاع عنها بما فيها اليهود إذا وقع عليها عدوان خارجى.

* سابعًا: الاستقلال المالى لكل طائفة:

* جاء فى دستور المدينة "وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم" وهذا الاستقلال المالى والاقتصادى مهم جدًا للنماء الاقتصادى وكأنه تأسيس للملكية الفردية والحرية الاقتصادية التى جاء بها الإسلام بشروطها أن تكون من حلال وتدفع زكاتها.

* ثامنًا: العلاقة بين المسلمين واليهود النصح والبر والتعاون والخير:-

* الأصل فى العلاقة بين طوائف الدولة الجديدة ومكوناتها هو الصلة والتعاون والنصح لمصلحة الدولة والمجتمع والبر بينهم بكل ما تعنيه الكلمة.

* يقول الدستور: «وَإِنَّ بَيْنَهُمْ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ، وَالْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ».

* تاسعًا: وجوب نصرة المظلوم:

* لأى أحد من مواطنى الدولة بصرف النظر عن دينه وقبيلته وجاء ذلك فى بند «وإن النصر للمظلوم»، فالظلم مرفوض من الجميع ضد أى أحد مهما كان دينه وعرقه وقبيلته.

* عاشرًا: حق الأمن والأمان لمواطنى الدولة:

* وذلك بغض النظر عن دينه وعرقه وقبيلته جاء فى الدستور «إنه من خرج "أى من المدينة» آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله ﷺ.

* حادى عشر: وجوب الدفاع المشترك ضد العدوان الخارجى:

* وذلك فى الفقرة 20 منها: «وإن بينهم النصر على من دهم يثرب» بكل ما تحمله كلمة النصرة من معانى.

* “وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة بند 21

* كان هذا عرضًا مختصرًا لبعض «بنود وثيقة أو دستور المدينة»، ولك أن تلاحظ فيه الموضوعية الشديدة فلم تكن له ديباجه تمدح الرسول «القائد» أو له نهاية تعطيه صلاحيات استثنائية رغم مكانته كرسول ورئيس للدولة، فالدستور خلا من الثناء والمدح والإطراء لا للنبى ولا المسلمين، وكانت بنوده دقيقه فيها من الدقة والموضوعية والاهتمام بالحقوق والواجبات ما فيها، ولم تمنح المسلمين حقوقًا أفضل أو أكثر من يهود المدينة، لكنها سوت بينهم وأعطت الجميع حريتين مهمتين هما حرية العقيدة والعبادة والحرية الاقتصادية، ولم تلزمهم بشىء سوى بالتعاون سويًا حال الدفاع المشترك ضد العدوان الخارجى.

* وثيقة أو دستور المدينة تعد بحق نقله حضارية من مرحلة القبيلة لمرحلة الدولة والأمة راعية الحقوق والحريات، فيها الدقة والموضوعية، ليس فيها الفخر الكاذب، ولا وصف الدولة الوليدة بالعظمى أو الكبرى رغم إنها كانت نواه لأكبر دولة هزمت الفرس والروم وامتدت حتى سور الصين العظيم شرقًا وإلى القسطنطينية وطاجيكستان شمالًا وإلى غانا جنوبًا وإلى المحيط الأطلسى غربًا.

* سلام على النبى العظيم أعظم مؤسس لهذه الدولة المترامية الأطراف التى كانت نواتها الرائعة من المدينة ودستورها.

التعليقات