معركة سقف الديون الأمريكية تدخل مرحلة الخطر - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 6:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة سقف الديون الأمريكية تدخل مرحلة الخطر

نشر فى : الجمعة 19 مايو 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 19 مايو 2023 - 8:35 م

يبدو أن عام ٢٠٢٣ يأبى إلا أن يكون عاما مليئا بالتحديات الاقتصادية. فبعد أزمة البنوك التى أصدرت شهادة وفاة بنوك أمريكية وأوروبية عريقة، ندخل الآن فصلا جديدا من مأساة ٢٠٢٣ الإغريقية، وهو فصل معركة رفع سقف الديون الأمريكية والذى يقترب مما يسمى بالـX Date أو «التاريخ إكس»، وهو التاريخ الذى ستنفد فيه جميع سبل التمويل المسموحة قانونا للخزانة الأمريكية. كانت التوقعات الأولية لهذا التاريخ تتأرجح بين شهرى يوليو وأغسطس العام الحالى، ولكن فى أوائل مايو فاجأتنا «جانت يلين» وزيرة الخزانة الأمريكية بأن التاريخ فى تقديرها يقع فى النصف الأول من يونيو. فما هو سقف الدين ولماذا يعتبر مشكلة وما هى سيناريوهات تطور الأحداث والتأثيرات المتوقعة؟
مثل العديد من دول العالم تحتاج الموازنة الأمريكية إلى تمويل عن طريق الاقتراض الذى عادة ما يكون فى شكل طروحات فى أسواق الدين من سندات خزينة قصيرة الأجل وسندات طويلة الأجل. ويسمح القانون الأمريكى بحد أقصى لهذا الدين ولكن حجم اقتصاد الولايات المتحدة وموضعها كدولة عظمى تملك أهم عملة فى العالم يعنى بالضرورة أن سقف الديون يحتاج أن يتم رفعه بصفة شبه مستمرة لأسباب يطول شرحها وليس هذا موضعها. لذلك يتعين على المشرع الأمريكى بصفة دورية مراجعة سقف الدين المسموح قانونا لكى يتم السماح بالمزيد من الاستدانة. وبما أن المجالس التشريعية الأمريكية حاليا منقسمة بين الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى فذلك يعنى الدخول فى مفاوضات طويلة وصعبة. فى السنوات السابقة رأينا الجمهوريين يتحولون إلى صقور مالية عندما ينتمى الرئيس إلى الحزب الديمقراطى، ورأيناهم يتحولون على النقيض إلى حمائم عندما ينتمى الرئيس إلى الحزب الجمهورى. بمعنى آخر الحزب الجمهورى ليس لديه مانع من زيادة حجم الدين عندما يكون الرئيس جمهورى، فذلك يعطى دفعة للاقتصاد تزيد من فرص إعادة انتخابه. أما عندما ينتمى الرئيس للحزب الديمقراطى، مثل الوضع الحالى وكذلك فى وقت أوباما، فيملأ الجمهوريون الدنيا صراخا منادين بالمسئولية المالية عند وضع الموازنات. يدخل الجمهوريون المفاوضات وعينهم على عدد من المكتسبات من شأنها أن تعرقل النمو الاقتصادى تحت إدعاء المسئولية المالية Fiscal Responsibility.
فى المرات السابقة كانت المفاوضات صعبة ولكن يبدو أن هذه المرة ستكون الأكثر صعوبة حيث إن الحزبين الجمهورى والديمقراطى يدخلون المفاوضات وهم بعيدون أشد البعد عن نقطة التقاء، متأثرين بذلك أيضا بالوضع السياسى داخل الحزبين، ففى كلا الحزبين حرب داخلية جعلت بعض المحللين يذهبون لتوقع أن تنقسم الأحزاب على نفسها إلى ثلاثة أو أربعة أحزاب. الحزب الديمقراطى فيه تيار قوى وعالى الصوت يحاول جذبه ناحية اليسار وإن كان التيار الوسطى مازال له الغلبة وهو ما دعم حظوظ الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الأخيرة. أما الحزب الجمهورى فقد استولى عليه التيار اليمينى وإن كان مازال فيه تيار قوى على يمين الوسط. لذلك فالتوافق داخل أى من الحزبين أصبح شديد الصعوبة ويحتاج مفاوضات مضنية. وقد رأينا نموذجا على ذلك عندما احتاج الحزب الجمهورى لاختيار رئيسه الأغلبية بعد الانتخابات الأخيرة وهو ما احتاج وقتا ومجهودا مضاعفا عن المعتاد.
السيناريوهات متعددة ولكن أهمها وأكثرها ترجيحا فى تقديرى هى:
١ــ حدوث ضغط قوى على السياسيين من مجتمع الأعمال المحلى والعالمى أو من أسواق المال والتمويل الأمريكية والعالمية مما يضطر الحزبين إلى التوافق سريعا، وتلك أكثر السيناريوهات المحمودة حتى وإن كان لها تأثير طويل الأمد بسبب التأخر فى الوصول لحل.
٢ــ أن تقوم الحكومة الأمريكية بوقف بعض المخصصات لمصروفاتها اليومية حتى تستطيع سداد الديون التى تستحق أثناء فترة التفاوض حيث أن عدم الوفاء بالمديونيات الأمريكية من شأنه أن يتسبب فى انهيار النظام الاقتصادى العالمى ربما فى خلال أيام معدودة.
٣ــ أن يضرب الرئيس الأمريكى عرض الحائط باشتراطات سقف الدين حتى يستطيع الابقاء على معدلات الصرف كما هى فى أثناء فترة التفاوض، ولكن المشكلة أن ذلك سيكون خرقا واضحا للقانون يعرض الإدارة للمساءلة أمام المحاكم.
أما عن التأثير الحتمى حتى الوصول للحل فهو تصاعد نسبة الفائدة على الدولار الأمريكى خاصة للآجال القريبة لتعويض مخاطر احتمالات التخلف عن السداد. وذلك سيتسبب فى ضغط على أسواق التمويل العالمية وبالتالى مزيد من الضغط على أسواق الدول النامية وعملاتها. أما تأخر الحل كثيرا فمن شأنه أن يتسبب فى حوادث مالية واقتصادية كثيرة متفرقة فى أنحاء العالم قد نراها فى صورة انهيارات أو إفلاسات من الصعب توقعها اليوم ولكنها تعيدنا كما توقعت مرارا للحوادث الاقتصادية المتفرقة التى حدثت فى الثمانينيات والتسعينيات. على أى حال هى معضلة تجعل كل من يعانى من ضعف فى هيكله التمويلى سواء شركات أو مؤسسات أو دول تحت منظار الأسواق الذى لا يرحم.

مدير صناديق استثمار دولية

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات