نشر موقع 180 مقالا للكاتب موسى عاصى، جاء فيه ما يلى:
مع تحرك الجيش السورى باتجاه بعض مناطق الشمال السورى، باتت الأزمة السورية أمام مشهد يزداد تعقيدا وتتداخل فى ميدانه أعلام وقوى وجيوش، لكنه مشهد قد يفضى تدريجيا إلى وضع الأزمة السورية على مسار التسوية، بما يتطابق مع خطط روسيا وطموحاتها.
لم تتحرك القوات السورية نحو الشمال السورى، إلا فى ضوء تفاهمات أبرمتها موسكو بين دمشق والأكراد، وباتجاهات مرسومة بدقة ولتحقيق أهداف مختلفة، من دون الوصول إلى خط تماس مباشر مع القوات التركية، على الرغم من إعلان دمشق أن الجيش السورى «تحرك شمالا لمواجهة العدوان التركى».
واستنادا إلى ما تحقق من انتشار عسكرى سورى حتى الآن، من الواضح أن دمشق تحاول الوصول إلى نقاط محددة على الحدود الدولية مع تركيا، كمدينة عين عرب، أولى المدن الكبرى شرق الفرات الخاضعة للسيطرة الكردية، والتى دخلها الجيش السورى خلال الساعات الماضية، والأهم من ذلك مدينة منبج، منبج الواقعة غرب نهر الفرات، والتى تم الإعلان ليل أمس عن دخول الجيش السورى إليها، فى تطور يمكن وصفه بأنه نقطة تحول فى الصراع، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة، الواقعة على بعد 30 كيلومترا من غرب نهر الفرات، وتعد خطا عسكريا واقتصاديا حيويا لكل الأطراف.
أما الهدف التالى، فهو الوصول إلى مدينة القامشلى، عاصمة «قسد» بعد السيطرة على بلدة تل تمر شرق مدينة رأس العين فى الحسكة.
وتشير التوقعات إلى أن نية الجيش السورى الانطلاق من القامشلى شرقا للسيطرة على كامل الخط الحدودى بطول نحو 100 كيلومتر، ما يعنى ميدانيا، أن الجيش السورى سينهى خلال الأيام المقبلة سيطرته على جزأين منفصلين من الحدود مع تركيا، الأول، إلى الغرب، من جهة مدينة عين عرب وصولا إلى مسافة لا تستفز الأتراك فى محيط تل أبيض، والثانى، من مدينة القامشلى وصولا إلى ديرك فى أقصى الشرق، أما المناطق الوسطى الواقعة بين القامشلى وتل أبيض مرورا برأس العين وهى بطول نحو 300 كيلومتر، ستبقى منطقة معلقة خاضعة للعمليات العسكرية التركية، إلى أن تتضح معالم المرحلة المقبلة.
وللتذكير، فإن العمليات العسكرية التركية، منذ أن بدأت يوم الأربعاء الماضى، لم تستهدف، حتى الأمس، أى من المواقع الكردية خارج الخط الممتد من تل أبيض إلى رأس العين.
ميدانيا، وبعد نحو أسبوع على بدء العمليات العسكرية التركية، لم تحرز هذه القوات الكثير من التقدم، لكنها حققت عدة أهداف سياسية من ضمن الخطة الروسية، ولا سيما انسحاب قوات «التحالف الدولى» من هذه المناطق، وهو الهدف الأغلى على قلب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إذ أن الولايات المتحدة أنجزت عمليا سحب معظم قواتها المتواجدة فى هذه المنطقة، وخصوصا فى محيط عين عرب وتل أبيض وعين عيسى فى الحسكة وفى محيط القامشلى، ويتوقع أن ينهى الأمريكيون سحب كامل قواتهم من الشمال فى غضون أيام قليلة وأن يتبعهم الفرنسيون الذين يحتفظون بأقل من 100 جندى فى هذه المنطقة.
وإلى جانب سحب القوات الغربية، حققت موسكو ما سعت إليه منذ دخولها الحرب السورية عام 2015، بتحقيق الانفصال التام بين أكراد سوريا والولايات المتحدة، وبالتالى، الامساك بالقرار الكردى الذى نتج عنه اتفاق بين الأكراد ودمشق فتحت قوات «قسد» بموجبه جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها أمام الجيش السورى.
هل سيوقف تفاهم دمشق مع الأكراد الهجوم التركى؟
من المبكر جدا الحديث عن وقف الهجوم التركى، فهذا الأمر مرتبط بخطوات عدة، أولها، إحراز القوات التركية تقدما جغرافيا كافيا يسمح لها بتوطين الجزء الأكبر من اللاجئين السوريين الموجودين حاليا فى تركيا، وهذا الأمر يحتاج إلى مسافات محددة فى العمق السورى تصل أحيانا إلى 30 كيلومترا، كما يحتاج إلى «تنظيف ديموغرافى» تقوم به حاليا القوات التركية والميلشيات التابعة لها، كما فعلت فى عفرين قبل عام ونصف، عبر طرد مئات الآلاف من المواطنين الأكراد بعيدا من حدود المنطقة الآمنة.
الأمر الثانى متعلق بمصير مدينة إدلب حيث يتحصن عشرات الآلاف من المسلحين ممن يحظى معظمهم بغطاء من تركيا.
ما يفهم من الصفقة الروسية ــ التركية، هو أن موسكو وافقت على العملية العسكرية التركية شرق الفرات مقابل إزالة أنقرة خطوطها الحمراء من محيط إدلب حيث يجب التخلص من «الوضع الشاذ» هناك كما يقول الروس، ويبدو أن العملية العسكرية السورية المدعومة روسيا والتى توقفت نهاية أغسطس الماضى بعد السيطرة على خان شيخون على مشارف إدلب، قد تستأنف بمجرد تحقيق تركيا تقدما ميدانيا – جغرافيا شرق الفرات.
فى الواقع، فإن أحد الأسباب التى كان الأتراك يتلطون بها لرفض الهجوم العسكرى الروسى السورى على إدلب، هو الخوف من وصول «موجات جديدة من اللاجئين إلى أراضيهم»، وهو أمر لم يعد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان قادرا على تحمل تبعاته على المستوى الداخلى، لذلك وجد الروس فى «المنطقة الآمنة» شرقا الحل الأنسب لاستيعاب أعداد الفارين من إدلب من المسلحين وعائلاتهم جراء المعركة المتوقعة هناك، ما يعنى أن «المنطقة الآمنة» قد تحل قريبا محل إدلب كمنطقة تنتظر الحل السياسى النهائى.