عامان على الثورة ماذا تحقق فى الاقتصاد؟ - علي عبدالعزيز سليمان - بوابة الشروق
الإثنين 10 مارس 2025 9:11 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عامان على الثورة ماذا تحقق فى الاقتصاد؟

نشر فى : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص

مر عامان على ثورة يناير المجيدة، ثورة أنعشت آمال الجماهير فى مجتمع حر يكفل الحياة الكريمة للجميع، أو كما نادى الميدان «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». وبالرغم من أن الجانب الاقتصادى كان جزءا مهما من محركات ثورة يناير، إلا أن نصيب الاقتصاد فى الحوار العام وفى السياسات الحكومية كان بالفعل قليلا.

 

لقد تقلب على البلاد فى هذه الفترة القصيرة أربعة رؤساء وزارات من خلفيات مختلفة، وتولى الحقائب الاقتصادية والمالية ما يقرب من عشرين وزيرا لوزارات المالية والتخطيط والاستثمار والتموين والصناعة والزراعة والسياحة. وبعد كل هذا يحق للمواطن العادى أن يتساءل ما الذى تحقق فى المجال الاقتصادى، وماذا عن أحلام النهضة الاقتصادية والمساواة فى الفرص والحياة الكريمة للجميع.

 

•••

 

وقد ينظر البعض لأرقام الناتج المحلى لإجمالى، أو إلى التصنيف الإئتمانى للبلد ثم يقول بأسى «للأسف لم يتحقق الكثير فى مجال الاقتصاد!» وقد يقول آخرون «البلد تذهب الى الجحيم أو الى الإفلاس.» وأعتقد أن مثل هذا الحكم يعانى من السطحية وعدم الواقعية.

 

ذلك أن التقدم الاقتصادى لا يتحقق فى ظروف الثورة، إنما يجب أن تستقر الأمور قبل أن يبدأ النمو. ذلك أن الثورة فعل للتغيير، ويسبب هذا الفعل تتوقف الأنماط التقليدية للعلاقات الإقتصادية أو يتغير مسارها، ويعنى هذا بالضرورة تعطل الحياة الإقتصادية كما نعرفها وتولد صورا أخرى للإنتاج والعلاقات، وكل هذا يأخذ وقت.

 

•••

 

وبالفعل لقد مثلت الأشهر الأولى للثورة تحديا كبيرا مع توقف الإنتاج بسبب حظر التجول، ثم بسبب الوقفات الإحتجاجية، والإضرابات والمطالب الفئوية. ولا بد من المصارحة أن هذه الوقفات والاحتجاجات قد تمادت، وأبدت الحكومة الكثير من الصبر وضبط النفس. مع استقرار الأوضاع السياسية بانتخاب الرئيس، وإقرار الدستور. فقد آن الأوان لكى نضع أهداف زيادة الإنتاج والتصدير نصب أعيننا، وان نقف للمخربين بالمرصاد، فكيف يمكن لأمة أن تنهض إذا كان الإحتجاج يتم عن طريق قطع الطرق، وإحتلال محطات الكهرباء، و التعدى على مترو الأنفاق.

 

وفى رأى أن الإنجاز الأول لحكومات الثورة المختلفة كانت فى الحفاظ على كيان الاقتصاد القومى فى وجه الفوضى والتخريب. بالطبع كان هناك خروقات للأمن، وانتشار السرقة والسطو المسلح والبلطجة، ولكن عموما لم تتعرض البنية الأساسية للدمار. وتعمل المطارات والموانئ وقناة السويس بكفاءة عالية. وبرغم مشاكل النقص المؤقت فى السولار أو البنزين، فقد استطاعت السلطات الإقتصادية أن توفر الإحتياجات الأساسية، بل تم القضاء على طوابير الخبز، وتمكن وزير مبدع، مثل الدكتور جودة عبدالخالق أن يزيد مخزون القمح، وان يخفض سعر الأرز. وما زالت المحلات عامرة بالسلع.

 

•••

 

وبرغم تراجع إيرادات السياحة فمازالت مصر تحافظ على نفس مستوى الصادرات السلعية والتى بلغت فى السنة المالية التالية للثورة (يوليو 2011ــ يونيو 2012) حوالى 27 مليار دولار وهو نفس المستوى المحقق فى العام السابق. والغريب أن الواردات السلعية لنفس الفترة زادت من 54,1 مليار دولار الى 58,7 مليار دولار (أرقام البنك المركزى)، وكان من المنتظر هبوطها بسبب توقعات الركود الاقتصادى.

 

ما الذى تحقق إذاً؟ يمكن أن نسجل بسرعة بعض التطورات الإيجابية والسلبية. على الجانب الإيجابى كانت عودة البورصة المصرية الى العمل واستعادة مستويات أداء ما قبل الثورة. تعديل أجور بعض فئات المجتمع ورفع مستوى المعاشات. إصلاح العلاقات مع دول وادى النيل، وإعادة ترتيب علاقات مصر الخارجية بتقوية العلاقات مع تركيا وإيران وفتح مجالات جديدة للتعاون مع الصين وشرق آسيا. على الجانب السلبى تواتر أزمات السولار والبنزين، عدم استعادة الانضباط بالكامل للشارع المصرى، الإخفاق فى ملف استعادة الأموال المهربة بالرغم من إمكان تحقيقه، عدم النجاح فى ملف حماية المصريين فى الخارج. وبالطبع إنخفاض الإحتياطيات الأجنبية والتصنيف الإئتمانى لمصر.

 

•••

 

ولعل الإخفاق الأكبر للسياسة الإقتصادية لحكومات ما بعد الثورة هو عدم وجود رؤية وخطة للمستقبل. والشعب يريد خطة للتغير والتنمية. ولقد نلتمس العذر لحكومات تسيير الأعمال، ولكن هذه الأعذار لا تمتد لحكومة الرئيس محمد مرسى، برغم وعود النمو والرفاهية ليس هناك خطة طريق واضحة لتحقيق ذلك. وحتى المشروعات الكبرى الموعودة مثل تطوير منطقة قناة السويس أو تعمير سيناء  فهى تحتاج الى مليارات الدولارات ووقت طويل لتحقيقها.

 

•••

 

ماذا نحن فاعلون إذن؟ للأسف ما نقترحه اليوم هو نفس ما اقترحه أصحاب الرأى والمعرفة الاقتصادية فى بداية الثورة:

 

1- وضع برنامج عاجل لخلق فرص العمل، ويجب أن يأخذ هذا البرنامج أولوية أولى ويعنى ذلك خلق جهاز خاص أو حتى وزارة للتشغيل. ويتضمن هذا برنامجا ضخما لمشروعات الخدمة العامة مثل إصلاح الطرق والصرف الصحى والمرافق فى الأرياف والمدن الصغيرة. وفى مصر كان هناك سابقة لمثل هذا البرنامج بعد أزمة الخليج الأولى وعودة المصريين من العراق فى 1991.  وبالطبع من الواجب تشجيع الصناعات الصغيرة وتخفيف عبئها الضريبى وتوفير التمويل اللازم لها.

 

ويجب أن يمتد هذا البرنامج لتشغيل الطاقات الإنتاجية العاطلة، واستكمال النواقص البسيطة التى تحرك الإنتاج. وتعتبر صناعة النسيج والسياحة والتشييد من أكثر الصناعات استخداما للعمالة، ونطالب أن تتفرغ القيادات السياسية لحل مشاكلها من تمويل، وإصلاح إدارى، وأستقطاب استثمارات جديدة. ومازالت المعوقات البيروقراطية تعطل الاستثمارت الداخلية، ويشمل ذلك بطء إجراءات تسجيل الأراضى واستصدار التراخيص.

 

يجب أن تهتم القيادة السياسية فى الأمد المتوسط بزيادة تنافسية الاقتصاد المصرى، حيث تراجع موقع مصر فى مقاييس التنافسية الدولية. ويحتاج الأمر الى تحسين المرافق العامة، وإصلاح جهاز الخدمة المدنية، وتحسين مستوى التعليم الأساسى والجامعى، مع تبسيط إجراءات التقاضى، والقضاء على الممارسات الاحتكارية.

 

•••

 

ومازال ملف العدالة الاجتماعية يراوح فى مكانه، وقد بدء على استحياء فى تطبيق حد أعلى للاجور فى بعض مؤسسات الدولة. مع ذلك فإن الحد الأقصى الذى بلغ 35 ضعفا من الحد الأدنى مازال أعلى بكثير من متطلبات المرحلة، وما هو مطبق فى الدول الديمقراطية. ومن المطلوب وضع برنامج سريع للدعم الاجتماعى يشمل الى جانب المعونات المادية، ترقية فرص التعليم والتدريب للطبقات المحرومة مع تحسين منظومة الإسكان، والصحة للجميع. ويتضمن الدستور الجديد الكثير من هذه المطالب.

 

وأخيرا يجب التنويه أن هذا البرناج الطموح لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح الوضع المالى للدولة مع تنويع مصادر الإيرادات العامة، ترشيد الإنفاق، وإعادة توزيع الأعباء الضريبية.

 

 

 

أستاذ الاقتصاد فى الجامعة البريطانية

علي عبدالعزيز سليمان عضو الجمعية التاريخية المصرية
التعليقات