ماذا عن دعوة ترامب للحوار مع إيران؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 1:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا عن دعوة ترامب للحوار مع إيران؟

نشر فى : الإثنين 20 أغسطس 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : الإثنين 20 أغسطس 2018 - 9:30 م

تفاجأ الكثيرون عندما قام الرئيس ترامب عشية دخول العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ فى مرحلتها الأولى فى السابع من هذا الشهر، تليها مرحلة ثانية تبدأ فى الخامس من نوفمبر بالإعلان عن «استعداده للقاء الرئيس الإيرانى عندما يشاء الإيرانيون ذلك ودون شروط مسبقة». أضاف ترامب: «أن هذا أمر جيد لهم ولنا وللعالم أجمع». دعوة الحوار التى أطلقها الرئيس الأمريكى تتعدى بالطبع المسألة النووية لتتناول ملفين أخريين أيضا هما الصواريخ الباليستية والدور الإيرانى فى المنطقة. استراتجية ترامب تقوم على ترابط الملفات الثلاث وهو ما ترفضه إيران بالطبع. يراهن ترامب على الحصار الاقتصادى ليكون بمثابة كعب أخيل يدفع إيران للتفاوض. وبالطبع يبقى الباب مفتوحا كما فى كل تفاوض للمقايضة ضمن الملفات الثلاثة وفيما بينها.
ويقال إن اللقاء فيما لو حصل سيتم خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر القادم. البعض اعتبر تصريح ترامب بمثابة فقاعة إعلامية تهدف لإحراج إيران لا غير. ولكن فى حقيقة الأمر يذكر هذا التصريح المفاجئ فى سياق التصعيد التام بما كان حاصلا عشية قمة سنغافورة الأمريكية الكورية الشمالية: هجوم حاد وتهديد بالحرب وتصعيد مفتوح حتى انعقاد القمة. سلوك يندرج فى عقيدة السياسة الخارجية عند ترامب التى يصفها جوش روجن (واشنطن بوست 19/3/2018) بأنها تقوم على التصعيد ثم التراجع عندما يظهر تجاوب ولو خجول من العدو أو الخصم، ترامب يريد فرض التفاوض بشروطه عندما يود الطرف الآخر ربما شراء الوقت للاستفادة من وضع قائم أو للعمل على تعزيزه.
يرى البعض أن مبادرة ترامب قد سقطت سريعا عندما أعلن المرشد الأعلى السيد خامئنى أنه يحظر على إيران إجراء أى محادثات مباشرة مع أمريكا، مضيفا لا حرب ولا تفاوض مع الولايات المتحدة. لكن ذلك يترك الباب مفتوحا لمحادثات غير مباشرة وهناك أكثر من طرف ينشط فى هذا المجال. هذا التصريح يمكن التراجع عنه إذا ما توفرت معطيات معينة ترى إيران أنها قد تخدم مصالحها إذ إن القبول المباشر بالدعوة الأمريكية كان سيعتبر بمثابة استسلام لشروط واشنطن مع ما يحمله ذلك من تداعيات داخلية وخارجية على إيران، وللتذكير فقد دعا الإمام الخمينى منذ ثلاثة عقود تحديدا إلى «تجرع السم» والقبول بوقف القتال مع العراق فيما كان الهدف هو الانتصار الكلى على العدو العراقى، فلا مستحيلات عند دول تتسم سياساتها بالواقعية رغم العناوين العقائدية البراقة، وخير مثال على ذلك التفاهمات الأمريكية الإيرانية حول أفغانستان وحول العراق فى الماضى.
***
والمثير للاهتمام لقاء وزيرى خارجية كوريا الشمالية وإيران فى طهران يوم دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ، لقاء حمل فى توقيته رسائل مشتركة لواشنطن من عدو الأمس وعدو اليوم. فى مقارنة بين الحالتين الكورية الشمالية والإيرانية بالنسبة لواشنطن فإنه كان من السهل التوصل إلى اتفاق فى الحالة الأولى. فهنالك رجل واحد يمسك بالقرار ودولة محاطة بدول سواء أصدقاء أو خصوم يريدون الاتفاق، دولة لا تملك أى أوراق خارج حدودها فى نظام إقليمى مستقر، الحالة الإيرانية عكس ذلك كليا من حيث تركيبة السلطة والنفوذ الإقليمى الممتد وحروب الإقليم الحاملة لتحديات ولفرص إيران التى هى فى حالة صدام ناشط مباشر وبالوكالة مع قوى إقليمية، فلا مقارنة ممكنة بين الحالتين، لذلك كان من السهل على واشنطن التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية وقبول «التجاوزات والتراجعات» التى قامت بها لاحقا طالما هى محاصرة وفاقدة لأى تأثير إقليمى مما يسمح «بتلزيم جزئى» لهذه المشكلة المتبقية لكوريا الجنوبية للمساهمة فى استكمال ما هو ضرورى ومطلوب.
***
بين واشنطن وطهران هنالك مسارح مواجهة عديدة ناشطة ومتشابكة فى لعبة الشطرنج الشرق أوسطى التى تمتد من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا. تقدم هنا لطرف وتراجع هنالك لطرف ولكن لا هزيمة كلية يمكن تحقيقها لطرف لمصلحة طرف آخر خاصة مع وجود تقاطع مصالح مع لاعبين آخرين: من روسيا ميسترو المسرح السورى إلى قوى أخرى موجودة وفاعلة بدرجات مختلفة.
الكل ينتظر، وقد يطول الانتظار ونشهد مزيدا من الحروب الصغيرة لتحسين المواقع التفاوضية، لحظة انطلاق عملية صفقة التفاهمات الكبرى التى لن تكون بالطبع أمريكية إيرانية فقط بل دولية إقليمية عربية تشارك فيها القوى الفاعلة بصيغ مختلفة. عند ذلك يمكن الحديث عن موعد لقمة أمريكية إيرانية. قمة تشكل مؤشرا وأيضا دافعا لبداية تفاهم كبير بين جميع هذه القوى. تفاهم حول ضرورة احتواء وإطفاء الحرائق الشرق أوسطية التى قد تطال مصالح الجميع فى أماكن وأوقات قد تكون مختلفة، والتوصل إلى ترتيبات لفرض الاستقرار فى بؤر التوتر القائمة.
لا شىء مستحيل فى السياسة الدولية إذا ما تذكرنا التحولات التى يشهدها الصراع حول سوريا وتحول تحالفات الأمس ذات العناوين الكبرى إلى مجموعة من التفاهمات بالقطعة اليوم تبنى عليها سياسات وإنجازات.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات