لا شىء يشبه انشغال العرب بقضايا غيرهم أو حتى بالقضايا الأقل أهمية فيما العالم متجه إلى جهاته الأربع أو الأكثر.. يبقى العرب يفسرون وينتقدون ويعبرون عن خواطرهم تجاه نتائج الانتخابات الأمريكية أو ردود فعل اليمين المتطرف عالميا أو حتى السؤال المتكرر الذى كان حتى القريب العاجل خاص بالأمريكان فقط «لماذا يكرهوننا»... الخ.. وفيما هم مشغولون بكل ذلك تنزلق اقتصاداتهم إلى أدنى معدلات وترتفع نسبة البطالة ويتأرجح ما تبقى ممن هم فوق خط الفقر للمحافظة على هذه المرتبة قبل الانزلاق إلى ما دونه، وتقل نسبة مشاركة الدولة أو اهتمامها بالقيام بدورها فى توفير الخدمات الصحية والتعليمية وطبعا لا أحد يتحدث عن الضرائب التى تتلون بأسماء مختلفة وهى فى نهاية الأمر محاولة من الدولة العربية أو الأنظمة ــ سمها ما شئت ـ أن تخرج من أزماتها الاقتصادية المتلاحقة والمتراكمة على مر سنين طويلة نتيجة سوء التنظيم والتخطيط وانتشار الفساد حتى النخاع وحتى إنه أصاب تلك الأجهزة التى عليها مسئولية توفير الحماية والرعاية هى الأخرى دون أن يكون هناك ثمن لأمن المواطنين!
***
انشغل العرب وبالطبع العالم ولكن العرب الواقعين فى مستنقع العنف والحروب هم وحدهم من ينتظر نتائج وانعكاسات تلك التحولات عليهم.. فمن سيقوم بحمايتهم ومن سيعاديهم ومن سيناصرهم فى وجه عدوهم الجديد فيما العدو الأساس يرقص فرحا فى شوارع تل أبيب وعند المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.. وفيما ينتحل العرب كل العرب صفة الدفاع المستميت عن الإسلام فى كل بقاع الكون لا ردة فعل واحدة بعد منع السلطات الإسرائيلية للأذان بمساجد فلسطين.. وحدهم الفلسطينيون ناصروا بعضهم بعضا وقامت الكنائس بإطلاق الأذان للصلوات الخمس فيما العرب يتقاتلون هنا وهناك باسم الدفاع عن الدين الإسلامى المسلوب والمغتصب!
انشغل العرب فى حروب غيرهم أيضا حتى وصلوا إلى الوقوف عند مساندة هذا المرشح الأمريكى أو ذاك وكثير منهم لم يعرفوا صناديق الاقتراع إلا ومعها الكثير من المال وشراء الأصوات بشكل مباشر أو غير مباشر حتى أصبحت انتخاباتنا شكلا من أشكال المخلوقات المشوهة والتى يصعب التعاطف أو التعامل معها.. ولا يفوتها أن تكون جزءا من إطار الفساد العام ذاك المرض المستشرى فى مجتمعاتنا..
يبحث العرب عمن يحارب حروبهم الصغيرة والكبيرة وآخرون يبحثون عمن يرسم لهم وصفات جاهزة لخطط تنموية طويلة المدى وقصيرة وشركات وبيوت خبرة لوضع سياسات تحسن صورهم فى الخارج وبنوك لتقرض بعضهم الذى أقترب من الإفلاس المادى والمعنوى.. يحدث كل هذا على هذه الأرض التى لا تسقى هذه الأيام إلا بالدم و الألم ووجع الهجرة والغربة التى انتشرت بالتساوى.. فالعدالة فى الظلم تعنى شيئا منها ربما!
جلس العرب عند ساعات الصباح الأولى يتابعون وعندما اتضحت النتائج حزن كثيرون منهم، أكثر ما أحزنهم أن الرئيس الأمريكى الجديد يعادى المسلمين. لم تزعجهم آراؤه الأخرى باستثناء هذا الرأى حتى إن الكثير منهم عندما سألتهم مذيعة الراديو تلك عن رأيهم فى أسباب خسارة المنافسة قالوا لأنها امرأة وأن لا أحد يولى أمره لامرأة! انتهوا بأن يسقطوا بعض تخلفهم ونظرتهم الدونية للنساء على الدول والمجتمعات الأخرى التى وصلت فيها النساء إلى أعلى المراكز وتقلدت الكثير بعد الكثير النضال والتعب من قبل رجال ونساء مستنيرين.. وفى المقابل قامت قيامة الجمعيات النسائية والنسويات من النساء والرجال للدفاع عن المرشحة فقط لكونها امرأة حتى لو كانت تعشق الحرب وحتى لو كانت شبيهة بكثير من الرجال الذين وقفوا مع أعداء أوطانهم وحتى لو كانت من أكبر المناصرين لأصناف الاحتلال فى المنطقة.. محزن أن ينزلق العرب إلى هكذا درجة من التقسيمات ومحزن أكثر أن ينتظر العرب كل العرب أن تأتى لهم العدالة والديمقراطية والحرية على عربة دبابة أمريكية ربما تسوقها أو تسيّرها من بعيد امرأة.. محزن جدا وحقا..
***
وقف أحدهم وحيدا على حسابه على تويتر ليغرد حتما خارج سربهم ويقول ما لى أراكم مشغولون بالبعيد والحريقة هنا لن تلبث أن تطال بيتكم بعد بيت جيرانكم الذى ومنذ فترة تلتهبه النيران وأنتم تقفون متفرجين أو ربما تزيدون الحطب فوق النار!!! تنزلقون رويدا رويدا نحو الهاوية إن لم تكونوا قد وصلتم لها حتما.