لو كان الأمر بيدى لاخترت عقد عدة مناظرات بين المرشحين فلا يعقل أن يختار الشعب الرئيس القادم بناء على معلومات ناقصة او تقييم غير مكتمل. ولما كان افضل طريقة للتمييز بين المرشحين هو عبر سؤالهم امام الناس وفى جمع منهم، كان لابد من إجراء سلسلة من المناظرات وليس فقط واحدة. الأفضل كان عقد مناظرة تجمع بين العوا والمرسى ومنعم وأخرى تجمع بين شفيق وموسى وأخرى تجمع بين حمدين والبسطويسى وعلى والحريرى. ولا أرى أن هذا الأمر كان يجب أن يترك هكذا لموافقة المرشحين او لاختيار القنوات وانما كان الأفضل أن تكون لجنة انتخابات الرئاسة هى الضامن لعقد هذه المناظرات ليستفيد الناس ويختاروا عن وعى وإدراك بعد أن عاينوا بأنفسهم المرشحين جنبا الى جنب. ثم بعد كل مناظرة يجرى تصويت عبر استطلاعات الرأى من أكثر من مركز بحثى ثم نختار الأعلى تصويتا من كل مناظرة ونجمعهم فى مناظرة واحدة أخيرة لنعرض للشارع المصرى ثلاثة مرشحين من التيار الدينى والفلول واليسار ونترك للشارع حرية الاختيار.
●●●
الأمر المحزن اننا اساسا نجرى انتخابات الرئاسة وكأنها انتخابات على مقعد بمجلس الشعب مع كل الاحترام للبرلمان. كيف تكون الفترة الممنوحة للدعاية 21 يوما فقط، هل هذه فترة كافية ليعرف الناس عن مرشحيهم؟ ثم ما هذا الانفصال عن الواقع، ألم تسمع وترى اللجنة العليا للانتخابات أن المرشحين يدعون لأنفسهم ويجوبون البلد بالطول والعرض منذ اكثر من عام؟ لهذه الأسباب وغيرها نشعر أن مصداقية لجنة الانتخابات الرئاسية بحاجة الى مراجعة فورية. فكيف يقول الدكتور العوا إن لديه مستندات بحصول بعض المرشحين على تمويل من الخارج ولا تقوم الدنيا ولا تتحرك لجنة الانتخابات على الأقل للتحرى؟
المشكلة الحقيقية أن كل شىء سيظهر ويتضح بمرور الوقت لكن ساعتها لن ينفع أحد حصانة اللجنة العليا للانتخابات ولن ينفع أحد المادة 28 ولا الإعلان الدستورى كله، فالأرجح أن الناس لو قررت الخروج على الرئيس القادم فكل الشرعية ستنهار فى ثوانٍ لأن البناء بلا اساس. لكن هل ساعتها سنحتكم للعسكر مرة أخرى؟ أشك.. ولعلنا لا نريد أن يقع ذلك البلاء من الأساس ونتمنى التوفيق للرئيس القادم اين كان اسمه وتياره وصفته؟. لكن الأرجح عندى أن الرئيس القادم لن يعمر طويلا، فلا النظام السياسى بُنى على قواعد سليمة ولا الوضع الاقتصادى يدعو للصبر واعطاء الرئيس القادم فرصة من الزمن لكى ينفذ برنامجه. وبالتالى خروج الناس مسألة وقت لا أكثر.. لماذا؟ لأسباب عدة ونكتفى هنا باثنين.
أولا، أن الثورة المصرية قامت بعد أن عصفت الأزمة المالية العالمية باقتصادات الدول ومنها مصر بالطبع والناس فى مصر تحت ضغط شديد جراء السياسات الرأسمالية المتشددة التى كانت حكومات مبارك تنتهجها. فاصبح على الرئيس القادم أن يحل عدة معضلات. عليه أن يصل الى العدالة الاجتماعية بدون أن يخيف رأس المال فيهرب منه ومن البلد ثم عليه أن يصل سريعا الى الطبقة المطحونة التى لم تمتد اليها يد العون منذ أمد ولم تستفد من الثورة اساسا بل على العكس لعلها تضررت، لكن عليه فعل هذا بدون أن يشعر المجتمع انه يفعل نوعا من الإجراءات الاشتراكية لأن الناس عندها حساسية من هذا المسمى على الرغم من هتاف الثورة الشهير «حسنى بيه يا حسنى بيه كيلو العدس بعشرة جنية». أما المشكلة الأكبر فهى أن الناس كلها بمن فيهم الميسور الحال لن يرضوا بالتقشف لمدة أطول والخزانة خاوية والمجتمع رافض للاقتراض من الخارج ناهيك عن عدم ثقة الناس فى الداخل والخارج على الاستثمار وضخ الأموال الا بعد أن يستقر البلد، فهل سيستقر البلد حال انتخاب أحد من الفلول؟ ام احد من التيار الدينى كما شهدنا الاستقرار بعد انتخابهم فى مجلس الشعب؟ ام سيستقر تحت سياسات رأسمالية بمسمى دينى؟
ثانيا، أن الرئيس القادم يهل على مشهد سياسى مرتبك ومعقد، كل الناس تتكلم ولا احد يسمع احدا والناس لن تسمع كلام الرئيس ولكنها ستراقب افعاله وأولها اختياره للنائب واختياره للوزراء. فالإعلان الدستورى يحتم عليه اختيار النائب بعد 60 يوما من انتخابه وبالطبع قبلها سيختار الرئيس حكومته! ماذا لو كانت اختياراته على غير
هوى الناس ولا تنال رضاهم؟ ماذا لو استمر وزير او أكثر من الوزارة القديمة خاصة أولئك النفر المستمرون منذ مبارك الى الآن؟ ماذا لو غير وزير الدفاع ولم يرض العسكر؟ وماذا لو لم يُحل البرلمان ووقف بالمرصاد للرئيس الجديد وسياساته؟
●●●
كل هذه المشاكل لها حل ولكن عنصر الكفاءة فى الرئيس هو الأهم لو أردنا الصالح العام للبلد، لكن الشاهد أن الناس فى بلادى ستذهب لصندوق الاقتراع لتجيب عن سؤال آخر غير الكفاءة وهو «ايديولجى» الطابع والا كيف نفسر اختيار الإخوان للمرسى كرغبة ثانية فى حين يريدون من المجتمع اختياره رغبة أولى؟ وإلى متى تستحمل مصر الإجابات الخاطئة؟