أنا أكتب هنا فعلا عن الطريق الدائرى الذى تم توسعته منذ بضع سنين ولا تزال هناك مشروعات قادمة فيه خاصة بالأتوبيس الترددى، ولأن لدى خبرة غير سعيدة بالقيادة عبر هذا الطريق خاصة بعد توسعته، فأنا لا أحب أن آتى على ذكره كثيرا خاصة وأننى قد قمت ببيع سيارتى منذ أكثر من ثلاث سنوات واكتفيت باستخدم دراجتى والمترو بشكل رئيسى فى تنقلاتى.
الآن فمن النادر أن أكون راكبا فى سيارة تعبره، لكن صادف أن كنت أمر صباحا منذ أيام فى الجزء الواقع بين طريق الأتوستراد وشريط المترو، وفى خلال هذه المسافة القصيرة نظرت حولى على البيوت المطلة على الطريق ورأيت بقايا المحاولات التجميلية بالرسومات والتى طبعت على ما يبدو على نسيج كبير ثم تم تثبيتها على جدارات بعض البيوت المواجهة للطريق. وكنت قد قرأت من قبل عن مجهودات محافظتى القاهرة والجيزة بالاشتراك مع جامعتى عين شمس والقاهرة لتجميل هذا الجزء من الطريق الدائرى، وأيضا الجزء من النيل باتجاه الجيزة كجزء من الاستعدادات التى طالت كثيرا لافتتاح المتحف المصرى الكبير فى ميدان الرماية. قرأت أيضا عن اللغط الذى تسببت به بعض الرسومات فى الجزء الشرقى من هذا القوس.
فكرت فى الجدل الكبير منذ عدة أشهر عن فقدان القاهرة لأشجارها باستمرار فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى ما يخفف قليلا من وطأة الموجات الحارة المتعاقبة. واستعدت أيضا بعضا من المشروعات التى قام بها طلبتى لزراعة الأسطح وخاصة فى المناطق غير المخططة، ولأنى كنت قد طلبت منهم تخيل الشارع الذى يعيشون فيه، وقد قام معظم سكانه بزراعة الأسطح. وتذكرت كم تحولت تلك الشوارع نتيجة تلك الزراعة التى لم تكتفِ بالأسطح فقط ولكن شملت البلكونات والحدائق الصغيرة للبيوت، وأيضا أن يقوم كل منهم بالتشجير أمام منزله من خلال تنسيق مشترك بين الجيران.
اقترحت طالبتان من طالبات الماجستير هما، أسماء مكاوى وريهام مراد، تدخلات صغيرة منسقة جماعية مبنية أساسا على إعادة التفكير فى النافذة لتكون مكانا متفردا لكل مواطنة ومواطن يطل على المدينة ويمكن فى إطار ذلك تعديل أى نافذة قائمة من خلال تلوينها أو إضافة بروز صغير لها، أو حوض صغير للزراعة لكى تعبر عن من يسكن فى داخلها وتمكنه من العيش بصورة أفضل ولو قليلا. يمكن لتلك التدخلات الصغيرة ــ إن أمكن تنسيقها بين الجيران من خلال نقاش جاد مع التجريب وربما مساعدة بسيطة من مهندسين وفنانين ــ أن تنتج مكانا لا يظهر شكله أجمل من بعيد ولكن الأهم أن يرضى عنه سكانه.
فكرت أيضا فيما أنا مهتم به منذ عدة سنوات وكتبت عنه تفصيلا فى إعادة الطبيعة البرية للمدن المصرية. وكيف أن النباتات البرية التى لكثير منها فوائد طبية لكنها لا تؤكل مباشرة وربما على خلاف الخضراوات التى يمكن زراعتها على الأسطح لا تتأثر بصورة كبيرة بالتلوث الكبير فى الهواء الناتج عن الحركة الكثيفة للمرور على الطريق الدائرى. كما أنها ستوفر بصورة جيدة عزلا حراريا خاصة لسكان الأدوار العليا من المساكن مما يوفر أيضا فوائد مباشرة أخرى لتلك النباتات. ربما أمكن أيضا فى الأسقف الكبيرة المساحة نسبيا عمل صوبة نباتية صغيرة يمكن فلترة الهواء الداخل إليها بالصورة التى تسمح بزراعة ما يمكن استخدامه فى الطعام اليومى.
كما أتصور أن الأعمدة الخرسانية التى تنتهى بها العديد من المبانى السكنية فى انتظار أن يقوم أصحابها بعمل الأسقف الخرسانية حين تصيبهم الميسرة، يمكن أن تستخدم مؤقتا وبمساعدة شبكة جديدة بسيطة من استقبال ألواح شمسية تنتج طاقة للسكان ومن حولها.
يمكن أيضا إدماج الفنون البصرية خاصة على مستوى الدور الأرضى ومداخل المبانى السكنية ليس بالضرورة أن يكون ذلك رسما تجميليا على الحوائط ولكن يمكن بمشاركة السكان المحليين وفنانين محترفين ودارسين ودارسات للفنون أن يستلهموا من الواقع خيالا يضفى حيوية وأملا على تلك المناطق. أتذكر أن إحدى طالباتى اقترحت أن تحول جزءا من الحائط الخارجى للمبنى الذى تقوم بتصميمه إلى ما يمكن تسميته بحائط ذكريات ويوميات الناسن والذى من خلاله يمكن لمن يرغب مشاركة جيرانه فى أحداث أو معارف يمكن تسجيلها بصريا فى آخر كل يوم ليبدو الحائط فى اليوم التالى مستعدا لاستقبال الذكريات والطرائف ربما التى تمر بالكبار أو الشباب أو حتى الصغار.
هل يمكن أن تتحول تلك الرؤية إلى عملية تراكمية لتطوير المناطق السكنية المحيطة بالطريق الدرائرى وربما ليس فى هذا الجزء فقط لتصبح مجموعة من الحدائق المعلقة التى تتخللها ألواح الطاقة الشمسية والتى تظهر فيها أيضا النوافذ المتنوعة والمتناسقة. ربما ستتطلب مثل تلك العملية بعضا من الوقت ولكن بمشاركة السكان والجمعيات غير الحكومية وخاصة تلك المهتمة بالزراعة الحضرية وأيضا تلك المهتمة بالبيئة وتغير المناخى. وبجزء من تكلفة مشروع التجميل الحالى يمكن للحكومة أن توفر دعما عن طريق المساعدة فى إنشاء بعض النماذج الأولية التى يمكن من خلالها إقناع السكان باعتماد تلك الفكرة وتبنيها. يمكن لتلك الشراكة أن تنتج ما يمكن اعتباره جمالا حقيقيا وليس مصطنعا يعبر عن اهتمام حقيقى بالسكان وإعطائهم الأولوية قبل السياح. كما أنه يمكن أن يخلق سردية رائعة حتى مع التحديات التى ستواجهها ولا شك ولكنها ستؤثر فيمن يعرفها وأولهم الزوار والسياح. كما أنها ستحول الأموال التى تنفق على التجميل المؤقت ــ مثل ما تم تنفيذه والذى لن يدوم طويلا ــ إلى مكان ألطف وأنقى جوا وأكثر استدامة ليس فقط للسكان والزوار ولكن أيضا لباقى سكان المدينة.
• • •
لا أحب أن ألوم الجهات الحكومية كثيرا فأنا أعرف إلى حد ما الحدود والتحديات التى يعملون من خلالها، ولكنى ألوم أكثر الجامعتين اللتين قدمتا النصح للمحافظتين فى هذا المشروع، لأن واجبهم يقتضى أن يصروا على عمل دراسة جيدة والتفكير لمدى أبعد ولمصلحة أكثر استدامة، لأن هذا التعامل المسئول مع الجهات التنفيذية هو ما يمكن أن يغير حالنا ويقلل من التدهور الكبير الذى يحيط بنا ويقتنص الفرص ليعكسه ويخلق من باطنه أملا نحتاج إليه ونستحقه.