نشرت صحيفة «رأي الأمم»، مقالا للكاتب «لبيب قمحاوي»، وجاء فيه: «يبدأ الكاتب حديثه بالقول إن قبور الأردنيين قد تكون الملاذ الأخير للحكومة الأردنية في جهودها العنيدة المستمرة والرامية إلى استنباط وسائل وطرق جديدة لجباية الأموال من جيوب الأردنيين التي أصبحت شبه خالية، وفي القريب العاجل قد لا يتمكن الفقراء من الأردنيين، وهم كثرٌ، من دفن موتاهم لضخامة الرسوم التي قد تفرضها الحكومة على عملية الدفن وعلى القبور كملاذ أخير للجباية إذ لم يبقى في الواقع أمام الحكومة الأردنية سوى الأردنيين الموتى، بعد أن قامت بالسطو على جيوب الأحياء منهم إلى حد الثمالة، فسياسة القنص ولوي الذراع التي تتبعها الحكومات المتعاقبة في التعامل مع المواطن الأردني قد تؤدي في نهاية المطاف إلى استعمال مرارة الموت لإجبار الأردنيين على دفع المزيد من الرسوم والضرائب حتى عن موتاهم لتمويل سياسة الجباية».
ما هي خيارات الأردنيين؟
ما يجري الآن لا يشكل فقط استخفافا بالأردنيين ولكنه يعكس أيضا قناعة المسؤولين بأنهم، مهما فعلوا بالشعب، فهو شعب إما مسالم إلى حد الانتحار طوعا، أو خائف إلى حد التسليم قهرا، ولكن تبقى النتيجة واحدة وهي أن المسؤولين الأردنيين لم يعودوا يحسبوا أي حساب للمواطنين الأردنيين والذين حسب اعتقادهم سوف تقف معارضتهم لما يُفرض عليهم من إتاوات وضرائب ورسوم وغلاء عند حد الاحتجاج اللفظي والتظاهر السلمي.
لقد قامت الحكومات الأردنية العتيدة مرارا وتكرارا بالتعدي على مبادئ دستورية هامة وتَجَاوزِها بواسطة القانون الذي يفترض به أن يترجم روح الدستور ونصوصه وليس الالتفاف عليها ومخالفتها مثل مخالفة المبدأ الدستوري بأنه «لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون»، وبأن «الضريبة يجب ألا تتجاوز مقدرة المكلفين على الأداء»، «المادة 111 من الدستور الأردني».
وحتى يتم تجاوز الدستور، تقوم الحكومات بإعطاء أوجه الجباية المتزايدة أسماء أخرى غير الضريبة، هذا مع العلم أنه قد تم إخضاع السلطة التشريعية لأهواء السلطة التنفذية بعد أن فقد المجلس النيابي قدرته على مساءلة الحكومة أو إسقاطها، والأمثلة على ذلك عديدة.
ويضيف الكاتب، أن ما يقارب من 70% من الإيرادات المحلية هي إيرادات ضريبية، وأن 15% فقط من مجموع هذه الإيرادات الضرائبية هي من الشركات، وأن 85% هي من أفراد الشعب وهم دافعي الضرائب الحقيقيين، أي أن 60% من مجمل الإيرادات المحلية السنوية تأتي من أفراد الشعب الأردني على شكل ضرائب مباشرة تشمل ضريبة الدخل على الأفراد وضريبة المبيعات والرسوم الجمركية فقط.
أما الضرائب الأخرى في الأردن وبغض النظر عن مسمياتها، تشمل الضرائب غير المباشرة، وضرائب أخرى لم تُحْتَسَبْ ضمن رقم 60% من مجمل الإيرادات المحلية السنوية مثل الضرائب على المشتقات النفطية والكهرباء والمياه والاتصالات والطوابع والرسوم على تسجيل الأراضي والعقارات...إلخ، ناهيك عن مخالفات السير الجبائية والتي يتساءل الأردنيون عن مصيرها، والغرامات بأنواعها وأسبابها المختلفة.
وهكذا، وفي المقياس العام للأمور قد يكون الأردنيون، نسبة إلى مداخيلهم، من أكثر الشعوب دفعا للضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة مع العلم أن الضرائب تتناسب في العادة مع الدخل، والدستور الأردني ينص على أن الضريبة تصاعدية بمعنى أن ذوي الدخل الأعلى يدفعون الشريحة الأعلى من الضرائب وبشكل تصاعدي، والعكس بالطبع صحيح «المادة 111 من الدستور الأردني»، ولكن الحكومة الأردنية في مخالفة واضحة للدستور لا تأخذ ذلك بعين الاعتبار، وهذه ليست المخالفة الوحيدة، فزيادات الأسعار والرسوم على السلع والخدمات والمشتقات النفطية وغيرها تصدر بقرار حكومي، وليس بقانون كما ينص عليه الدستور، وذلك بعد أن سمح مجلس النواب للسلطة التنفيذية بأن تسلبه ذلك الحق الدستوري.
ويضيف الكاتب، أن العذر الذي تتذرع به الحكومات الأردنية المتعاقبة لتبرير استفحال سياسة الجباية هي ضرورة الاعتماد على الذات وتغطية العجز الدائم في الموازنة خصوصا بعد نضوب المساعدات الخارجية حسب ادعاء تلك الحكومات، ولكن هذه السياسة هي نصف الحقيقة لأن النصف الآخر يتطلب الحد من الإنفاق العام والتسيب والفساد.
إن التلاعب بالحقائق لن يُجدي في النهاية وسوف يؤدي إلى تفاقم الغضب الشعبي وإلى نتائج قد لا تُحمد عقباها، ففي الوقت الذي يوافق فيه معظم الأردنيين على أن الأردن يجب أن يعتمد على نفسه بشكل متزايد، فإن أوجه الإنفاق العام المعلنة وغير المعلنة والمخصصات العلنية والخفية تبقى كما هي أو في ازدياد مما يؤكد للشعب عدم صدق النوايا الرسمية، وأن الحكومة تكيل بمكيالين أساسهما أن التقشف هو على الشعب ومن مسؤوليته، وأن الإنفاق هو حق للحكم والحكومة تفعل ما تشاء دون مساءلة.
ويضيف الكاتب، أن الأردنيون تحت ضغط الغلاء واستفحال سياسة الجباية وضعف مدخول الفرد، يطالبون بتغيير الحكومة وحل مجلس النواب، إن هذه المطالب تعكس إما أدبا جما في توجيه اللوم أو جهلا بحقيقة الوضع وموازين القوة ومراكز القرار في الأردن.
مراكز القرار والسياسات في الأردن لا تنبع من الحكومة التي أصبحت عبارة عن جهاز تنفيذي لقرارات تسقط عليها بالمظلات، بعد أن فقدت ولايتها الدستورية ولم تعد حكومة بالمعنى الدستوري المقصود بل جهازا تنفيذيا من موظفين بدرجة وزير لا يملكون من أمرهم شيئا، تغيير الحكومة إذا هو مطلب جماهيري عقيم وهو أقرب ما يكون إلى «فشة الخلق»؛ لأن المطلوب هو تغيير السياسات، والسياسات لا تنبع من الحكومة، وحكومة جديدة بنفس السياسات القديمة لن تغير من الواقع المرير شيئا.
يضيف الكاتب، أن الأردنيون لن يَقبَلوا أن يستمر الوضع القائم على ما هو عليه، وإذا كان من الضروري التوصل إلى حل سلمي لهذه المعضلة، فعلى نظام الحكم أن يفسح المجال الدستوري أمام الشعب ليتمكن من محاسبة الجميع من منطلق مبدأ تلازم السلطة مع المسؤولية، أما أن تكون هنالك سلطة دون توفر القدرة على محاسبتها فهذه دعوة إلى تفاقم الفساد والتسيَّب مما قد يؤدي إلى الانفجار.
وختاما يوضح الكاتب، أن تعاون كافة الأطراف على الخروج بحلول سلمية ودستورية شفافة للمعضلات التي تجابه الأردن الآن هي مسؤولية جماعية لا يوجد فيها كبير وصغير لأن الوطن واحد، وجميع من فيه يعانون من سوء الحكم وسوء الإدارة والتخبط والفساد بأشكاله وألوانه المختلفة.