لهم خزانة القلب - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 8:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لهم خزانة القلب

نشر فى : الإثنين 22 يونيو 2015 - 10:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 يونيو 2015 - 10:55 ص

أن تكون بين نقيضين أو أكثر... تعرف أن كثيرا من البكاء لا يرافق الحزن فقط بل والفرح أيضا.. كما كنا لا تتوالى الأخبار من عاصمة بل من عواصم عربية... هكذا كنا نجتمع رغم توزعنا على العواصم العربية المتناثرة.. يختلط الحزن الشديد برحيلها مع الفرح المبهج فى الإفراج عنه وفى نفس الليلة تكلل صاحبتى بالمجد والكرامة فى كنيسة بصحنايا.. ما هذا الكم من المشاعر المتدفقة بتدفق ابتسامة وضحكة نبيهة لطفى تلك التى رحلت منذ أكثر من 60 عاما من صيدا فى جنوب لبنان إلى القاهرة حيث حملت كل وفائها للأرض والإنسان وتركت الجامعة الأمريكية لأنها رفضت مبادئ نبيهة وحراكها السياسى ودفاعها الدائم عن قلب هذا الوطن وكل الكون عن فلسطين التى سقطت سهوا من جداول أعمال العرب !!!

***

ترقد نبيهة فى قبرها وابتسامتها الساخرة لا تفارقها كما كانت وهى تصارع الحياة اليومية التى لا تحب والأجواء التى سادت السينما العربية فى مرحلة من المراحل.. تركت هى كل ذلك وعاشت فى أفلامها الوثائقية لتتناول كل وجعنا على تنوعه من تل الزعتر حتى تلوث المياه فى الصعيد وخسارة الفن فى تحية كاريوكا التى كانت أيقونة لم يعوضها أحد. عشقت ذاك الفن حتى كانت ولآخر مرة التقينا رغم تعبها ومرضها تتنقل من مكان إلى آخر وتسأل وتبحث لتكمل فيلم عن شادى عبدالسلام.. لا أعرف هل أكملته أم لا يزال هو الآخر من مشاريعنا وأحلامنا التى لا تتحقق فتبقى مخزنة فى الذاكرة...

لا تزال خزانة الذاكرة منتعشة بلقاءاتنا فى نادى جاردن سيتى مع الأصدقاء الأكثر جمالا سلمى الشماع وجمال زايدة ونحن نلتقى بشكل متقطع أحيانا حتى قلت اللقاءات أو انعدمت كما كل شىء جميل فى هذه الأيام.. وبقيت ضحكة نبيهة وسخريتها تنبت كثيرا من الأمل رغم كل هذا السواد.. وكذلك عنفوانها عندما تدافع عن أمر أو تنتقد اهمالا أو تصرفا ليس لها شخصيا ولكن للسينما العربية التى عشقتها هى..

***

كان الفيس بوك هو أول ناقل الخبر الحزين عندما وضعت ليال بدر صورتها المحببة للقلب مرفقة بعبارة وداعا نبيهة الغالية وارقدى بسلام.. نعم ارقدى بسلام طالما حملتيه فى قلبك ومحبة شاسعة بوسع المسافات التى ظلت رغم بعدها تجمع بين صيدا والقاهرة.. أعادت المواقع صورها الأخيرة عندما قامت بتمثيل بعض الأدوار وأهمها دورها فى «رسائل البحر». ذاك الدور الذى ترددت كثيرا فى قبوله قالت لى «أنا ماما ليش فى التمثيل»، بنفس اللكنة التى هى مصرية مطعمه ببعض اللبنانية.. وحين تحدثنا عن الفيلم بعد مشاهدته الأولى وكم كان الجميع منبهرا بتأديتها الدور.. ضحكت بنفس السخرية ولم تتصور أن ما يقال إلا شىء من المجاملة والاطراء المعتادين فى أيامنا الصعبة..

وفيما الحزن يعصر القلب وسيبقى كذلك لأن الألم يزداد اتساعا عكس الفرح الذى يتبخر سريعا فى ضبابية المرحلة وحلاكة الظلمة فيها، فيما كل ذلك وكما هى الحياة مزيج شديد التعقيد بين الاثنين المتلازمين كنا نقف فى تلك الكنيسة بضواحى دمشق حيث تكلل صديقة حميمة وتزف فى ثوب عرس سرمدى.. كان هناك كثير من الورد والقلوب المحبة التى فى شىء من البساطة المحببة كما هى سعاد التى لا تفارقها ضحكتها رغم قساوة الوضع فى الوطن الممزق.. أعاد هذا المشهد بصيص النور فى ذاك النفق.. أعادت هى سعاد كل ذاك الأمل الذى تركته نبيهة معنا أمانة ورحلت بعد أن اتعبتها الساعات وضجيج الأيام... انتشرت الموسيقى رغم أن سعاد الأخرى قالت فيما الوطن ينزف لا يمكننا إلا أن نتزوج بصمت فرفض الأصدقاء الاكثر قربا ودفئا إلا أنه وحتى فى مثل هذه الأوقات الصعبة لابد أن يكون للأمل فسحة..

***

وفيما يقال إن الحزن يتبع الحزن إلا أن اللحظات التى تلت حفل الزواج جاءت بأنباء أخرى لتشرق شمس دمشق على تفتح الياسمين المعتق بالمحبة.. وضع الكثيرون عبارة واحدة «بوشريف حر».. هو الصديق الذى بقى كما هو من ذاك الزمن الجميل المطعم بمذاق المحبة الخالصة غير الملطخة بأية مصلحة أو هدف سوى المحبة لأنه نعم لا يزال هناك بقايا من هكذا بشر نادرون جدا!!!

أمر واحد جمع بين الأصدقاء الثلاثة قلب بوسع الكون وسخرية من كل هذا الواقع وعزم على نشر الفرح فى زمن الحزن المغمس بعتمة ظلمات الجاهلية !!!! لهم خزانة القلب دوما.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات