يعرف جيلى من أطفال الثمانينيات والتسعينيات شخصيات شهيرة مثل بوجى وطمطم، وبكار، وغيرهم من الشخصيات التى أثرَت حياتنا وأثرت فى تشكيل اهتماماتنا ووعينا، كما تعرف الأجيال الأكبر قليلا شخصيات أخرى شهيرة مثل عمو فؤاد وجدو عبده والعمدة الآلى وغيرهم، وربما يعرف أطفال اليوم بكار الذى يشاهدونه سنويا خلال شهر رمضان، كما يحفظ كثير منهم أغنيته الشهيرة للمبدع محمد منير.
إلا أن أهمية هذه الشخصيات فى حياة أطفالنا اليومية قد تراجعت فى مقابل سيل أفلام الكارتون وبرامج الأطفال المستوردة، ولا عيب بالطبع فى الانفتاح على ثقافات أخرى والتعرف عليها وتبنى المفيد منها، بل هو من الأمور التى ينبغى تشجيعها طالما خضعت لرقابة الآباء، ولكن اللافت للنظر أن بكار وبوجى وطمطم وغيرها من الشخصيات التى أبدعتها عقول وأياد مصرية، وصدرتها مصر إلى العالم شرقا وغربا، وتخطت حدود العالم العربى إلى الصين التى أعادتها إلينا فى شكل فوانيس رمضان وألعاب أطفال، هذه الشخصيات تراجع تواجدها حتى صار لا يتجاوز ثلاثين حلقة خلال شهر رمضان من كل عام، ثم تتوارى بعدها إلى زاوية باهتة أمام غيرها من الشخصيات التى صارت تأتى إلينا يوميا من الشرق والغرب.
وبينما تعيش شخصيات مثل ميكى ماوس، الذى خرج للنور عام 1928، حالة من التواجد الدائم والمستمر بفضل استثمارات ضخمة فى مجالات الإنتاج السينمائى والمتنزهات amusement parks وغيرها، صدمنى أن أجد إعادة حلقات بوجى وطمطم تذاع على ماسبيرو «زمان»، وهى الشخصيات التى ظهرت للنور على يد المبدع رحمى عام 1983، ولا نجدها فى قصص مصورة على غرار مجلات ميكى، أو أفلام كرتونية أو متنزهات ترفيهية إلا فيما ندر.
لذا فمن غير المستغرب أن تتراجع العامية المصرية، واللغة العربية بوجه عام، لدى شريحة من أطفالنا، ومع عدم إغفال دور بعض الأهالى فى تشجيع هذا التوجه، فقد أصبح تغييب اللغة العربية والعامية المصرية كوعاء وأداة لنقل الثقافة والقيم المصرية يقف وراءه غياب رسالة شيقة وممتعة ترسم لأطفالنا طيفا من هويتهم وثقافتهم وتاريخهم، وترسم لهم سبلا للتأثير والتفاعل مع قضايا مجتمعاهم.
يلفت النظر فى الآونة الأخيرة فيضا من الإعلانات لقنوات ديزنى الشهيرة غمرت عديدا من شوارع القاهرة، ولا أعرف إن كان هذا الأمر يرتبط بما أثير أخيرا حول توجه شركة ديزنى لتقديم شخصيات ذات ميول جنسية مثلية، أو سمهم شواذا حسب موقفك الفكرى من هذه القضية، وما أدى إليه هذا الأمر من ثورة فى عدد من البرامج التليفزيونية التى ما لبثت أن خبأت بنفس سرعة اشتعالها، والإعلان عن منع أفلام للشركة فى دول عربية، هذا على الرغم من أن هذه القضية وهذا التوجه ليسا من الأمور المستحدثة، ولا تخلُ الساحة الأمريكية إلى الآن من مناوشات سياسية ترتبط بالخلاف الفكرى بين الحزبين الرئيسيين فيها حول هذه القضية، وأحدهما محافظ يرفع لواء حماية قيم الأسرة، وهو الحزب الجمهورى، والآخر قائم على قيم الليبرالية الاجتماعية وقبول التنوع والاختلاف، وهو الحزب الديمقراطى.
وبعيدا عن هذا الخلاف السياسى فى الولايات المتحدة، على المهتمين بالأجيال الناشئة ومكانة مصر الثقافية العمل على طرح رؤيتنا وروايتنا التى نريد أن نحكيها لأطفالنا، ولا يخلُ مجتمعنا من مبدعين ومبدعات ومبادرين ومبادرات ورواد أعمال قادرين على الاضطلاع بهذه المهمة، التى ترتبط أولا بإطلاق طاقات الإبداع الكامنة لدى الشباب والمبدعين والمبدعات والمبادرين والمبادرات ورواد الأعمال، وكل من شاهد الفورة الإعلامية الأخيرة التى تحفظت على قرار شركة ديزنى، الذى لا يعد حديثا تماما فى الواقع، يجد أن هناك سوقا مفتوحة ومتعطشة للإبداع المصرى الذى لا ينضب، وأن الساحة الإبداعية فى منطقتنا لا يمكن أن تتشبع بغير تواجد رئيسى للرؤية والرواية المصرية التى تستطيع أن تخاطب شريحة واسعة من الأطفال والشباب العربى.
هذا التواجد يقتضى البحث عن المبدعين والمبدعات، وتشجيع الاستثمارات الخاصة، أو بالشراكة مع القطاع العام، ليس فقط لإنتاج مسلسلات كارتونية على فترات متباعدة أو ابتكار شخصيات جديدة بين الحين والآخر، بل للعمل على تسويق هذا الإبداع من خلال تواجد مستمر ومتصل يملأ حاجة الطفل المصرى والعربى لرواية تنبع من تاريخه وجذوره وقضايا مجتمعه فى صورة مبسطة وشيقة تنقلها مجلات أطفال أسبوعية وشهرية وأفلام ومسلسلات كارتونية أو سينمائية، ومتنزهات تحكى معه قصصا عن تاريخه ومستقبله.