قبل أن تكمل جميلك - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن تكمل جميلك

نشر فى : الأحد 22 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 22 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

فى حين كان الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية المعزول، هو الشخص الأكثر جدلا فى مصر خلال النصف الأول من العام الحالى بين فريق رآه فاشلا ومحدود الأفق وخائن للعهود وطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وآخر ظل (ومازال) يدافع عنه حتى الآن ويراه الرئيس الشرعى المنتخب المتآمر عليه. فإن نجم النصف الثانى من العام هو بكل تأكيد الفريق عبدالفتاح السيسى، الرجل القوى فى مصر الآن الذى انحاز لمسار ٣ يوليو وأعلنه ورجحه، وهو الآن فى نظر الداخل والخارج المؤيد والمعارض الشخص الأبرز والأكثر تأثيرا فى الشأن المصرى سواء لعب هذا الدور فى العلن أو من وراء الستار!

●●●

لست من هواة التأييد الشعبوى المطلق لأنى أعلم بحكم التخصص مغبة ذلك الاندفاع والتعبئة الشعبية للضغط على اللاعبين السياسيين لاتخاذ مواقف معينة أو الامتناع عن أخرى، كما اننى لست من هواة التهكم والتقريع والتفزيع المطلق الذى ادعى أيضا أنه يعبر عن مواقف وحسابات سياسية مطلقة قد تصطدم وتخالف واقعا عمليا حببنا ذلك أو كرهنا، وأخيرا لست من هواة الغمز واللمز والتعبير الإيحائى فلست لدى مواقف سياسية جامدة أغمز وألمز من أجلها فضلا عن ابتذال الأسلوب نفسه.

●●●

ولكنى فى تلك السطور القليلة القادمة أقدم وبشكل مباشر وصريح المحاذير المتعلقة بترشيح الفريق السيسى نفسه فى انتخابات الرئاسة المقبلة، استجابة لحملة تتبناها بعض القطاعات الشعبية (المسيسة فى بعض مكوناتها) تحت شعار «كمل جميلك»، وانضم اليها مؤخرا نفر من الكتاب والمحللين بل والسياسيين مزايدين على الحملة نفسها ومعتبرين أن ترشيح الفريق نفسه هو من قبيل الواجب وليس فقط الجميل!

أولا: ان هذا الترشح من شأنه أن يضع القول الفصل فى ذلك الجدل الرهيب حول تسمية ما حدث فى ٣ يوليو بالانقلاب! فما يمنعنى شخصيا وغيرى من تسمية ما حدث بالانقلاب العسكرى التقليدى وباستخدام الفاظ أخرى مثل انقلاب ناعم أو انقلاب مدعوم شعبيا أو ثورة ساندها الجيش...الخ، هو انه من الناحية العملية فقد نزلت ملايين الجماهير التى لا يمكن لأحد انكار وجودها، ومن الناحية الاكاديمية النظرية لم يتول الجيش أو أحد قياداته دفة الحكم فى البلاد، فمازال هناك رئيس وحكومة انتقالية ووزير الدفاع هو أحد أعضائها فإذا رشح الأخير نفسه سيكون ذلك هو بمثابة الحلقة المفقودة فى حسم الجدل!. فالرجل الذى استجاب هو ومؤسسته للجماهير المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة فى ٣٠ يونيو سيكون هو نفسه الذى دعا الناس لتفويضه فى يوليو وهو نفسه الذى قامت قواته بالمساعدة فى فض الاعتصام فى اغسطس وبعدها بشهور رشح نفسه للرئاسة حتى لو فاز (وسيفوز حتما) بأصوات الجماهير الحرة!

ثانيا: سيكون ذلك بكل تأكيد خصما من مدنية وديمقراطية الدولة محل التساؤل أصلا، فبذلك ستحل العسكرة الكاملة (لاحظ انها موجود بالفعل فى العديد من مناصب الدولة التنفيذية وجهازها البيروقراطى) محل الأخونة، وسيكون الفريق السيسى فى ٢٠١٣ وضع شبيه بجمال مبارك فى بداية ٢٠١١، فدستوريا كان من حق مبارك الابن الترشح للرئاسة ولكن عمليا كنا نعرف انه (الأوفر حظا) بحكم موقع أبيه وشبكات المصالح التى تكونت لدعمه، ودستوريا سيكون من حق الفريق بكل تأكيد ترشيح نفسه طالما خلع البذلة العسكرية، ولكننا سنعرف ايضا النتيجة مسبقا لا لبرنامج انتخابى اعده ولا منافسه متكافئة خاضها، ولكن ببساطة لأنه الرجل القوى بحكم المؤسسة العسكرية القوية والمستقلة التى يستند اليها، وبحكم المخاوف الأمنية الشعبية بسبب الحرب على الارهاب، وكذلك بحكم شبكات المصالح الجديدة التى ستتكون حوله (أو بدأت تتكون بالفعل) وستراهن عليه لتحقيق الهدف ذاته التى راهنت على تحقيقه مع مبارك الابن قبل يناير ٢٠١١. أى أن أهم قواعد اللعبة الانتخابية (تكافئ الفرص فى المنافسة) ستكون شبه غائبة.

ثالثا: سيكون ترشيح الفريق لنفسه هو بمثابة هزة كبيرة لهيبة المؤسسة العسكرية التى يحترمها ويجلها الشعب، فسيتم بكل تأكيد تسيس المؤسسة، فالفريق سيخلع البذلة العسكرية ويلبس نظيرتها المدنية ليواجه ملايين بقدر ما راهنت عليه وأحبته بقدر ما رفعت سقف توقعاتها فى انتظار فارسها ليحقق لها الأحلام الوردية فى كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية...الخ، ولما كانت الظروف والحال كما نعلم، فإن الآمال ستتحطم بأسرع مما يتوقع أحد وستتبدد مع لحظة الحساب بكل قسوتها وخاصة امام جماهير مجيشة فى انتظار المخلص!

رابعا: ترشح الفريق سيكون أيضا من قبيل اضعاف وضع مصر (المهتز أصلا) دوليا وسيجعلها مسرحا لممارسة الابتزاز السياسى بكل أنواعه من قبل الأطراف الاقليمية والدولية التى تريد نقطة ضعف للنفوذ من خلالها للتلاعب وممارسة الضغوط بحجج مختلفة، سيكون أولها أن ترشح الفريق هو فى حد ذاته انقلابا على مسار ٣ يوليو والذى ظهر فيه الجيش كحكم وليس (حاكما) وضامنا لخارطة استغلها لصالحه لاحقا! فما يمنع الخارج من ممارسة المزيد من الابتزاز على مصر هى تلك الجماهير الغفيرة المؤيدة لخارطة الطريق ولوزير الدفاع، أما اذا دخل الرجل اللعبة فان الجماهير ستنقسم وستطالب وستعترض، فينتهى بذلك الجدار الجماهيرى الصلب الذى بنى على مدار الأشهر الماضية ومنع الخارج من ممارسة ضغوطه وابتزازه.

●●●

أعلم تماما أن الفريق قد أعلن عدم الترشح، وأن أخبارا سربت انه أمر بوقف الحملة (وحسنا فعل) لكن السياسة أعمق وأدهى، وفريق «كمل جميلك» أو «كمل واجبك» فى النسخة الأحدث لن يعجز عن ممارسة الضغوط على كل الاطراف للإيحاء للفريق والشعب معا على أنه المخلص من كل الأزمات والمشكلات وأنه عبدالناصر الذى بعث من جديد (رغم اختلاف الظروف والسياق الواضح للعيان بين تجربة ناصر والسيسى)، وهو ما قد يدفعه للتنازل والترشح (استجابة لرغبة الجماهير)، وهى نفس الجماهير التى ستكون كابوسا وقيدا على سياساته لأنها لم تنس قطعا أنها هى من فوضته وأن طلب تفويضها فى الشارع بقدر ما دعم موقف مصر خارجيا وحقق شعبية رهيبة للفريق نفسه بقدر ما جعلها تشعر بأنها جزء مباشر من آليات الرقابة على سلطات الحكام وأنها شريكة فى الانجاز، وليست مجرد متلقى له، وهو أمر فى السياسة لو تعلمون عظيم.

 

مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر