• فى يوم زارنى فى عيادتى مندوب شركة أدوية شاب يبدو عليه الإرهاق والتعب ويتصبب عرقا، فأحضرت له عصيرا وماء مثلجا وسألته عن صحته وهل هو بخير فأجابنى: إننى أصبت بفشل كلوى وأنا شاب فى الجامعة والحمد لله زرعت كلى من متبرع من أسرتى فى معهد المنصورة للكلى على نفقة التأمين الصحى بالجامعة.
• قلت له: حسنا أنك زرعت فى الوقت المناسب قبل تخرجك وغياب مظلة التأمين عنك، قال: ــ الحمد لله، فأنا من أسرة متوسطة الحال وزرعت بآية من عند الله على يدى العلامة د/ محمد غنيم الذى يقوم بجراحة زرع واحدة شهريا فى معهد الكلى الذى أسسه فى المنصورة، ويعد مفخرة لمصر والعرب، ومن حظى وقدرى الجميل أن هذا اليوم كان موعد إجراء جراحتى المعقدة فأجراها لى مشكورا باقتدار، والحمد لله نجحت الجراحة وتخرجت فى الجامعة وأعمل الآن فى شركة أدوية وأريد أن تساعدنى على نجاحى فى الشركة.
• قلت له: أنت أديت دورك وكافحت باقتدار وتخرجت فى كلية صعبة وقاومت أعتى الأمراض الفشل الكلوى وتحملت جراحة صعبة والآن جاء دورى لأقف خلفك وأساندك. • قال بعد أن تشجع للحديث معى: أنتظر دعمك قلت: أنت مثل ابنى، وأول شىء لا تحضر ولا تتعب نفسك فالجو حار وهذا يضر الكلى المزروعة، لا تحضر أبدا، وسوف أحقق لك كل «التارجت» المطلوب منك فى المنطقة كلها، سألغى كل الأدوية المنافسة لك ولن أكتب سوى أدويتك، وسوف أثنى على عملك وجهدك وثمرة كفاحك عند أى مدير لك.
• وفعلا قمت بكتابة أدويته بكثافة كبيرة لأنها كانت أدوية جيدة أيضا وتحقق له ما أراد، كان يأتى ليشكرنى فأعاتبه على حضوره، أقول له ركز فى صحتك ومتابعة الكلية المزروعة.
• جاءنى يوما فرحا مسرورا وأخبرنى أنه خطب فتاة ممتازة، وبعدها بفترة زارنى ليخبرنى بزواجه، فرحت له كثيرا لأن هؤلاء المرضى يحتاجون للإنجاب سريعا قبل أن يحدث أى مكروه مجددا فى الكلية المزروعة.
• مريض الفشل الكلوى يتزوج وينجب بصعوبة ومشقة فإذا زرع استطاع الأمرين وعليه وقتها أن يحافظ على كليته المزروعة ليحافظ على قدرته على الحياة دون غسيل كلوى من جهة وعلى القدرة والرغبة الجنسية من جهة أخرى، والقدرة على الإنجاب من جهة ثالثة.
• جاءنى آخر مرة ليشكرنى ويخبرنى أنه انتقل من شركته إلى شركة أخرى منتجاتها لا علاقة لها بالأمراض الجلدية، تمنيت له الخير والتوفيق وثمنت كفاحه وبذله وصبره الطويل على مرضه العاتى الصعب.
• وفى يوم من الأيام جاءتنى مندوبة أدوية أنجبت ثلاثة توائم ذكور وهى ممزقة بينهم وقالت: إنها تحتاج لمرتبها وفى نفس الوقت يحتاج أولادها لرعايتها المستمرة، وهى ممزقة بين الواجبين فضلا عن الواجبات الزوجية والواجبات الحياتية الأخرى.
• كان مديرها صارما يضغط عليها باستمرار لتحقيق ما يسمى
بـ«التارجت» وهى نسبة بيع محددة للدواء، قلت لها: لا تحضرى وسأكتب لك أدويتك بما يحقق ما يريده المدير، واهتمى بأولادك وخاصة أن أحدهم أصابه مرض عضال بالكلى واحتاج دخول المستشفى بين الحين والآخر.
• كان عمره ثلاث سنوات وأضحى هذا الطفل المسكين على شقا الفشل الكلوى، كان مرضه يحتاج لأدوية غالية واهتمام طبى على مستوى عال ومستشفى مجهز جيدا.
• كانت ممزقة بين زوجها وتوائمها، وخاصة المريض منهم حينما يحجز بالمستشفى، تحقق لها ما يسمى «بالتارجت» فقد دأبت على كتابة أدويتها وكانت جيدة جدا.
• رغم ذلك كله كان مديرها يضغط عليها بشدة ويهددها، قلت له: أنت تعلم ظروفها «والتارجت» الذى تريده تحقق، فدعها وشأنها فهى بحاجة لمرتبها فى ظل ظروف الغلاء والفقر الذى يعيشه الناس، ولو أنك وقعت فى مثل محنتها لرحمتها.
• كانت تتابع أدويتها تليفونيا وعلى الواتس وأحقق لها ما تريده وأحثها على رعاية ابنها المريض الذى كانت تتدهور حالته فى أحيان كثيرة ويحتاج لعلاج مكلف ومكثف بالمستشفى.
• كان مديرها يصمت كثيرا أمام قصفات هجماتى الإنسانية عليه، ويضايقها أحيانا حتى نجح فى نهاية المطاف من طردها من الشركة، قلت له قبل طردها: إن طردتها لن أكتب لك هذه المنتجات لأنك لم تراع الإنسانية التى هى فوق القانون.
• الرحمة تسبق العدل الذى سيتم بالرحمة أو بغيرها، وفعلا بعد طردها عاقبته بوقف كتابة منتجاته،حتى لا يدوس على أحد، وحتى يراعى ظروف الناس.