فشل أمريكا فى الوفاء بالتزاماتها - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فشل أمريكا فى الوفاء بالتزاماتها

نشر فى : الإثنين 22 أكتوبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 أكتوبر 2012 - 8:30 ص

مع استعداد باراك أوباما وميت رومنى لمناظرة ليلة الاثنين عن السياسة الخارجية، فإن بإمكانهما عمل شىء مفيد فى منازلة اللحظة الأخيرة بقراءة مقال بعنوان «مخاطر تجاهل العجز عن الوفاء استراتيجيا». فهو من أفضل الملخصات التى رأيتها عن مشكلة ملحة عليهما أن يناقشاها بأمانة.

 

يطرح المقال السؤال حول ما إذا كانت القوة الأمريكية بحاجة إلى «تعديل حجمها» بما يتماشى مع العالم المتغير. فإذا فشلت الولايات المتحدة فى تقليم طموحاتها، وفى محاولة زيادة مواردها بقدر يسمح بتغطية التزاماتها التقليدية، فإن مصيرها، كما يرى المقال، الفشل وما يترتب على ذلك بالضرورة من تمزق نسيج القوة الأمريكية.

 

●●●

 

صاحب هذا الرأى الاستفزازى هو مايكل جى. مزار، أستاذ الاستراتيجية بكلية الحرب الوطنية. وقد ظهر فى العدد الأخير من واشنطن كارترلى، التى يصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وقد أوصانى بقراءته مسئول بالبنتاجون الأسبوع الماضى، وعندما قرأتها قلت لنفسى: هذا ما ينبغى أن يفكر فيه المرشحان بدلا من حصاد الحماقات القادم.

 

ومزار لا يرى تدهور القوة الأمريكية بحد ذاته بل إفراطها. وهو يشبه وضع الولايات المتحدة حاليا بما كانت عليه بريطانيا العظمى فى تسعينيات القرن التاسع عشر بلد قوى يحافظ على التزاماته الخارجية إلى الحد الذى دعا آرون فريدبرج الأستاذ ببرستون إلى القول فى دراسة عام 1988، «لا يبدو هناك طريق لتفادى العجز عن الوفاء فى نهاية المطاف». فبريطانيا، ببساطة، لم تكن قادرة على الوفاء بكل ما وعدت به.

 

والفكرة الأساسية عند مزار هى: «الاستراتيجية الكبرى بالتعريف تعنى تحقيق التوازن بين الأهداف والوسائل لتعزيز أمن الدولة ومصالحها. إلا أن النهج الاستراتيجى الأمريكى لمرحلة ما بعد الحرب سرعان ما أصبح عاجزا عن الوفاء وغير ثابت». وهو يرد ذلك الخلل فى التوازن إلى عدد من العوامل: مشكلات الميزانية الأمريكية (بوضوح)، صعود لاعبين دوليين جدد يقاومون الاتجاه الأمريكى (اختر من بين: الصين، إيران، مصر)، الصعوبة المتزايدة التى تواجه الولايات المتحدة فى فرض حلولها العسكرية (كما فى العراق وأفغانستان)، وضجر الشعب الأمريكى المتزايد من الحرب.

 

وهذه هى حقائق الحياة الاستراتيجية. لكن كلما استجدت أزمة، فإن الرد السياسى «الصحيح» يكون: على أمريكا أن تجد حلا لها. ولا جدوى فى نظامنا السياسى من قول: من فضلك، انتظر دقيقة. أو أن تقرر (كما فعل رونالد ريجان بدم بارد بالنسبة للبنان فى 1984) أن إنفاق أموال دافع الضرائب الأمريكى لإنقاذ بلد صغير، وغير مهم من الناحية الاستراتيجية، أمر لا معنى له.

 

●●●

 

وعندما تشاهد مناظرة ليلة الاثنين، اسأل نفسك إن كان المرشحان يفكران بطريقة استراتيجية. هل يكرران مجازات بلاغية، لا جدوى منها فى حل أى أزمة، عن أمريكا «القوة التى لا غنى عنها»؟ أم إنهما يزنان الالتزامات بدقة للتأكد من إمكان وفائهما بما يعدان به؟

 

وما يحيرنى فى هذه الحملة هو أن كلا المرشحين يفضلان الشعارات الآمنة عن القوة الأمريكية على النقاش الجاد. رومنى يتبنى التحية التقليدية، بإطلاق 21 طلقة، برؤيتها لـ«مدينة مشرقة فوق التل» ودعوة فريدة للزعامة العالمية. وهو يتحدث بصورة متزايدة عن الميزانية العسكرية، كما لو كان شيئا طيبا بحد ذاته. لكنه لا يوضح كيف سيدفع وجبات القوة التقليدية الخمس، أو كيف ستهضمها البلاد.

 

حدسى يقول إن أوباما يفضل، فى أعماقه، نسخة أكثر تقييدا من القوة الأمريكية، لكنه نادرا ما يصرح بذلك علنا. فالحديث علنا عن تحجيم الطموحات العالمية قد يبدو فى غير صالح أمريكا. لذلك، فهو يلتزم أيضا بنسخة استراتيجية لأمريكا غير مقيدة «تدفع أى ثمن، وتتحمل أى أعباء»، حسب تعبير جون كيندى الخالد وإن عفا عليه الزمن.

 

●●●

 

إن البلاد التى لا تحدد أولوياتها تخسر مصداقيتها. ومع تدهور مصداقية القوة الأمريكية، يتدهور كذلك نفوذها الدبلوماسى. وحتى تحتفظ بصورة القوة، تواصل الولايات المتحدة إنفاقها العسكرى الضخم. لكن، كما يلاحظ مزار، فإن الولايات المتحدة بدلا من أن تنفق المزيد على النظم الجديدة الضرورية (ويشير إلى المبتكرات فى عالم الإنترنت وما يتصل به، والعربات التى تسير بدون قائد، وتقنيات التسلل ودقة التصويب بعيد المدى)، تواصل الولايات المتحدة الحصول على أسلحة «تراثية» ذات شعبية سياسية، مثل حاملات الطائرات والمقاتلات النفاثة.

 

ما الدروس التى تعلمها المرشحان من الحملتين المتعثرتين فى العراق وأفغانستان، حيث قاتل الأمريكيون بشجاعة نادرة وأنفقوا الكثير، ولم يحققوا الكثير؟ أى أنظمة التسليح التى يعتقدان أن بإمكاننا استخدام الأقل منها؟ كيف سينفذان التزاماتهما الجديدة (سوريا أم إيران؟) بحيث لا يزيدان العجز عن الوفاء سوءا؟ كنت أتمنى مناظرة حول السياسة الخارجية لا يركز فيها المرشحان على تسجيل النقاط، بل يقولان لنا كلاما له معنى ومنطق.

 

©(2012) جماعة كتاب الواشنطن بوست .

كل الحقوق محفوظة .

النشر باذن خاص

 

التعليقات