توقعات قاتمة فى سوريا - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 8:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توقعات قاتمة فى سوريا

نشر فى : الثلاثاء 15 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 يناير 2013 - 8:00 ص

تدفع الفوضى المتنامية فى المناطق الشمالية المحررة من سوريا، بعض أعضاء المعارضة السورية إلى الاقتناع أن البلد سيتحول إلى «دولة فاشلة»، ما لم يبدأ انتقال سياسى منظم فورا، ليحل محل نظام الرئيس بشار الأسد.

 

وقد ورد هذا التحليل فى تقرير قدمته مصادر سورية تعمل مع الجيش السورى الحر، إلى وزارة الخارجية الأمريكية، الأسبوع الماضى. ووصف التقرير الوضع فى المنطقة الممتدة من حلب إلى الحدود التركية، حيث اختفى جيش الأسد بشكل عام، فى صورة مقاتلين منظمين، وتجار سلاح جشعين، وأمراء حرب انتهازيين.

 

•••

 

ويبدو أن الفراغ الأمنى فى منطقة حلب، ساعد جبهة النصرة، المتحالفة مع القاعدة. فلم تستفد الجبهة من براعتها القتالية فى الميدان فحسب، ولكن من رفضها التورط فى أعمال السلب والنهب. كما أن جبهة النصرة، فى تركيزها على العدالة البسيطة والمساواة، والخدمات الاجتماعية، تحاكى المنظمات الإسلامية المتطرفة الأخرى، مثل حزب الله فى لبنان، وطالبان فى أفغانستان. غير أن الوضع الأمنى ليس بنفس القدر من السوء الذى تشهده المناطق الريفية، مثل محافظة إدلب جنوب غرب حلب، وفقا لما ذكرته مصادر سورية. فعلى العكس من المدن المتسعة متعددة الأعراق، تعتبر البلدات الريفية والقرى أكثر ترابطا وتماسكا، حيث تملأ التقاليد القبلية وغيرها من المصادر التقليدية للسلطة، الفراغ الذى خلفه جيش الأسد المنهار.

 

وتوضح الفوضى فى سوريا، مشكلة ظهرت خلال العقد الماضى من الحروب والثورات فى العالم العربى، لكنها تكاد تكون لم تخضع للبحث: عندما يطاح بحكم بوليسى قمعى عبر غزو خارجى أو حرب أهلية، يمكن أن يختفى أيضا الإطار الأساسى للقانون والنظام. وكان هذا هو الحال فى العراق، وليبيا، والآن سوريا. وإذا نظرنا إلى المستقبل، فعلى الولايات المتحدة وحلفائها تشجيع المزيد من عميات الانتقال السلس للسلطة؛ والإبقاء على المؤسسات الوطنية كلما أمكن، مثل المصالح الحكومية والجيش، مع نقل السيطرة عليها إلى قيادة جديدة أكثر ديمقراطية. وهو ما حدث مع أقل الثورات دموية، فى مصر واليمن، حيث دفعت الولايات المتحدة جنرالات الجيش إلى التخلى عن الديكتاتور.

 

وقامت الولايات المتحدة بمحاولة فاترة للتعامل مع مشكلة الانتقال فى سوريا، من خلال تشجيع «مجالس عسكرية» فى حلب، وإدلب وغيرهما من المناطق. وتمثلت الفكرة فى أن تلك المجموعات من شأنها أن تعزز السيطرة والتحكم المنظمين فى صفوف المتمردين ــ لمساعدتهم على التغلب على الأسد وأيضا توفير هيكل انتقال منظم ومحكم. لكن مصادر سورية تقول ان المجالس العسكرية تم حلها إلى حد كبير، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم تستغلها بصورة فعالة، فى توصيل المساعدات إلى المتمردين.

 

ويشير التقرير المقدم إلى وزارة الخارجية، ويحوى تقييما سيئا للوضع، إلى أن: «هناك مجموعات صغيرة (تتراوح بين عشرة وعشرين مقاتلا) تنتشر عبر منطقة حلب». ويضيف «تحول الجيش السورى الحر إلى مجموعات متمردة غير منظمة، اخترقها عدد كبير من المجرمين. وقد هبت جميع جهودنا مع المجالس المحلية هباء.. ويمثل أمراء الحرب حقيقة واقعة على الأرض الآن.. ويعتبر ظهور دولة فاشلة، النتيجة الأرجح للوضع الحالى، ما لم يحدث تعديل».

 

•••

 

ويقول التقرير السورى، إن المعارك فى الشمال تدور هذه الأيام، فى معظمها، حول غنائم الحرب. «أصبحت انتهاكات المتمردين ظاهرة طبيعية يوميا، وخاصة ضد المدنيين، بما فى ذلك نهب مصانع القطاعين العام والخاص، ومستودعات التخزين، والمنازل والسيارات» ويستشهد التقرير، على سبيل المثال، بنهب مستودع لتخزين البترول تابع لإحدى الشركات، وتهريب مبيعات الحبوب المهربة إلى الوسطاء الأتراك. ويعانى المدنيون السوريون معاناة قاسية. ويشير التقرير إلى أنه فى محافظة حلب: «يكافح الناس للحصول على الاحتياجات الأساسية» ويضيف: «وزاد سعر غاز البروبان ثمانى مرات؛ وارتفعت أسعار وقود التدفئة والبنزين لما يصل إلى عشرة أضعاف؛ كما ارتفعت أسعار الخبز ثمانية أضعاف، ومع الحاجة الماسة لجمع الأخشاب للتدفئة، يلجأ الفقراء إلى قطع الأشجار من الحدائق العامة أو استخدام المناضد المدرسية».

 

 ويوضح التقرير أن جبهة النصرة المنظمة «تكتسب شعبية» فى هذه الحالة الفوضوية، بسبب خدمتها للجماهير، بما فى ذلك: «عدم نهب أو انتهاك الممتلكات المدنية؛ اقتسام المكاسب بين جميع الفصائل المشاركة فى القتال؛ عدم الاهتمام بادعاء المفاخر، وإذا تمكنوا من الحصول على المواد الأساسية (مثل غاز البروبان) يقومون بتوزيعها مجانا على الجمهور». وإذا استمر هذا الاتجاه، «سوف تتحول الجماعات المتطرفة إلى «مخلص» للشعب السورى من أمراء الحرب».

 

•••

 

وبينما توضح التقارير الواردة من سوريا مؤخرا مخاطر سلبية السياسة الأمريكية هناك، فإنها تشير أيضا إلى أن التدخل العسكرى الأجنبى ربما يخلق مشكلات مماثلة، مثل تلك التى ظهرت فى ليبيا والعراق بعد الاطاحة بالطاغيتين. ولعل الحل فى سوريا هو دعم القوات العسكرية المعتدلة فى صفوف المتمردين، ومساندة انتقال مستقر ــ يبقى على المؤسسات الهامة للدولة السورية سليمة، ولكن تحت إدارة سياسية جديدة.

التعليقات