نشر موقع 180 مقالا للكاتب فؤاد إبراهيم بزى، تناول فيه ما جاء على لسان الرئيس الروسى بوتين من أن روسيا ستسلّم الحكومة اللبنانية صور منطقة مرفأ بيروت قبل الانفجار ــ فى أغسطس 2020 ــ وخلاله وبعده للتحليل والبناء على المعطيات، مجاوبا على سؤال يشغل بال الكثير منا؛ لماذا هناك عدسات موجهة نحو مكان الحدث؟ وفى زمان محدّد؟... نعرض منه ما يلى.مع كلّ حدث أمنى فى لبنان منذ العام 2005 وحتى تاريخنا هذا، نسمع الجملة الآتية: لقد طلبنا من الدول التى تمتلك أقمارا صناعية أن تزودنا بصور لمكان الحادثة لحظة وقوعها، ولكن حتى اليوم لم تزوّد أى دولة لبنان بما يطلب، وعليه سنحاول فى هذا المقال الإجابة على السّؤال: هل هناك من صور فضائية للبنان ولأمكنة الحوادث الأمنية وغيرها؟
ماهية الأقمار الصناعية
قبل الدخول فى البحث علينا أن نفهم أولًا ما هى الأقمار الصناعية وكيف تعمل.
أولًا؛ تصنّف هذه الأجهزة (الأقمار) بين مدنيّة تعمل على: مراقبة الطقس وحركة الرياح وحرارة المياه، اتصالات، علوم (مراقبة البراكين، المحيطات إلخ..)، تحديد المواقع وأشهرها النظام الأمريكى GPS المؤلّف من 31 قمرًا عاملًا حاليًا.
بالإضافة لما سبق، هناك الأقمار الصناعية ذات الأهداف العسكرية المعنيّة أيضًا بالاتصالات والمراقبة وتحديد المواقع كما توجيه القذائف والصواريخ والطائرات والفرق العسكرية على الأرض وغيرها من المهام.
تعمل الأقمار الصناعية بناءً على قواعد فيزيائية سهلة وبسيطة، يقوم صاروخ أرضى بحملها من داخل الغلاف الجوى وصولًا للمدار حيث سيحافظ على سرعته المكتسبة من الصاروخ الأرضى الذى أوصله، ففى الفضاء سرعتك لن تتباطأ بفعل الاحتكاك (الفرملة) فلا يوجد هواء هناك، وعليه فالقمر الصناعى عليه أن يجمع دائمًا بين السّرعة اللازمة للبقاء فى المدار وقوة سحب الجاذبية، وهنا يمكننا التوسع للقول بأنّ ليس كلّ الأقمار الصناعية توضع فى المدار نفسه بل منها ما هو بعيد ومنها الأقرب للأرض، وكلّما كان قريبًا كلّما زادت الحاجة للسّرعة كى يبقى فى مداره.
وهناك أقمار صناعية توضع فى مكان معيّن وهى تبدو ثابتة للناظر من الأرض ولكنّها فى الحقيقة تتحرّك بنفس سرعة دوران الكوكب حول نفسه المقدّرة بـ 460 متر/ثانية (على خط الاستواء).
كما يمكن أن نضيف أنّ الأقمار الصناعية تحمل على متنها كميّة من الوقود تستعمل عادة لتعديل المدار أو لتجنب التصادمات مع النفايات الفضائية.
وفيما يتعلّق بالنفايات الفضائية، فهى بقايا الصواريخ والمركبات والأقمار الصناعية المنتهية الصلاحية التى خلّفها الإنسان منذ العام 1957 (تاريخ إطلاق أول قمر صناعى إلى الفضاء: سبوتنيك السوفييتى).
أنواع الأقمار الصناعى
بالعودة إلى موضوع مقالتنا، هل حقًا تقوم الأقمار الصناعية، ومنها العسكرية بمسح تصويرى لكلّ المناطق على سطح الكوكب وعليه سنتعمق أكثر فى دراسة أقمار المراقبة التى تصنّف إلى:
أولا: أقمار الإنذار المبكّر.
ثانيا: أقمار مراقبة الأنشطة النووية ومنها التفجيرات والأنشطة.
ثالثا: أقمار مراقبة الاتصالات والموجات الكهرومغناطيسية على أنواعها.
رابعا: أقمار المراقبة المباشرة أو التصوير.
اهتمامنا سينصب على النوع الأخير من الأقمار، وهذه التكنولوجيات تحمل على متنها كاميرات تصوير بمختلف أنواعها: ذات دقة عالية، رؤية حرارية، وحتى رؤية عبر الغيوم، وتقوم بالتقاط الصور لمناطق محدّدة ومستهدفة مسبقًا من المشغلين. فالقمر الصناعى الواحد لا يستطيع تغطية كلّ كوكب الأرض بل يغطى المدار المتواجد فيه، هذا إذا أضفنا عامل السرعة فسنصل إلى نتيجة مفادها أنّ مقدار تغطية أو تصوير منطقة محدّدة غير ممكن إلّا بحدود الفاصل الزمنى الذى يمرّ فيه القمر من فوق المنطقة المستهدفة بالتصوير، فكما أسلفنا سابقًا: الأقمار فى حركة دائمة حول الكوكب، أو فى حال كان من الأقمار الثابتة بالنسبة للكوكب فإنّه يقوم بالمراقبة الدائمة بحسب طلب المشغّل.
وهذه المراقبة البصريّة تتمّ عبر كاميرات وعدسات فائقة الدقة وتستطيع بتكنولوجيات اليوم تحديد تفاصيل دقيقة تصل حتى 12.5 سم، أى يمكنها تصوير الدفتر الشخصى من دون القدرة على قراءة ما يتضمنه، والهدف من هذه الأقمار العسكرية هو مراقبة مناطق العمليات العسكرية لتحديد المتغيّرات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، معرفة ما هى المنشآت الموجودة وكيف تتطور أو حتى ملاحقة السّيارات بدقة تصل لمعرفة رقم اللوحة، وكلّنا نستخدم أو استخدمنا تطبيق الخرائط maps من google حيث قامت هذه الشركة العملاقة بتصوير كلّ مناطق الكوكب بواسطة أقمار صناعية وطائرات تصوير لتضع بين أيدى المستخدم خرائط تفصيلية للمناطق مع خطوط الطرقات ووجهات السّير عليها.
ولكن الاستعمال الأساسى لهذه الكاميرات يبقى معرفة التضاريس الأرضية من خلال رسم الخرائط التفصيلية وخطوط العمليات وأخذ الصور الجويّة لا سيّما فى المناطق التى لا تصل إليها طائرات التجسس ومناطق العمليّات العسكرية، مع الأخذ بالاعتبار أمرين أساسيين وهما:
1ــ فى حال كان القمر متحرّكًا على مدار، يجب الانتظار لأخذ الصور المناسبة لحظة بلوغ الزاوية المناسبة، فلا يمكن على سبيل المثال تصوير لبنان والقمر ما يزال فوق روسيا.
2ــ فى حال كان القمر ثابتًا بالنسبة للأرض، عندها يمكن التصوير فى أى وقت بتوجيه العدسات فقط، ولكن فى هذه الحالة، هذا النوع من الأقمار لا يتواجد سوى على خط استواء الكوكب وأكثرها أقمار اتصالات لا مراقبة بصرية كونها ستكون مرئية من زوايا يمكن الوصول إليها بسهولة من أى نقطة أرضية.
الحوادث والأقمار الصناعية
كما أسلفنا سابقًا، فالأقمار الصناعية أنواع وعند حدوث أى أمر على الكوكب نسمع مباشرة أنّ الحدث تمّ رصده عبر هذه الأجهزة ولعلّ أبرز هذه الأحداث إطلاق الصواريخ الباليستية أو الجوالة كونها أجساما كبيرة متحركة مع بصمات حرارية مميّزة.
ولكن فى لبنان وبعد كلّ حدث، نسمع أنّ الدولة تطلب معاينة صور الأقمار الصناعية دون أن نعرف عادةّ نتيجة الطلب وللوهلة الأولى يطرح السّؤال بعد كلّ ما سبق: لماذا هناك عدسات موجهة نحو مكان الحدث؟ وفى زمان محدّد؟
باختصار، إنّ منطقة الحوض الشرقى للبحر المتوسط هى منطقة عسكريّة نشطة سواء على الجبهة السّورية أو قبالة شواطئ فلسطين المحتلّة أو لمراقبة سفن المهاجرين والمهاجرات عبر المتوسط نحو أوروبا والتصوير يتمّ من قبل العديد من الدول صاحبة هذه القدرات، فجلّها إن لم يكن كلّها قامت بتحريك عدسات الكاميرات والقمر نفسه نحو منطقتنا المستهدفة وسجلت الكثير من الأحداث، فما جرى فى دير الزور فى سوريا فى العام 2007 دليل على ذلك، عندما تمّ ضرب منطقة قيل يومها إنّها مشروع مفاعل نووى سورى وللتأكيد قامت الدولة المعتدية بنشر صور قبل الضربة وبعدها، وهذا ما يؤكّد الاستهداف.
وعليه، تقول روسيا بلسان رئيسها فلاديمير بوتين إنّها ستسلّم الحكومة اللبنانية صور منطقة مرفأ بيروت قبل انفجار الرابع من أغسطس 2020 وخلاله وبعده للتحليل والبناء على المعطيات، ولعلّ أبرز ما يمكن دراسته سيكون: فيزياء الانفجار، أى كيف تحرّكت الرّياح والشظايا وهل يوجد حقًا أجسام غريبة قامت بنسف هذه المواد (الفرضية تمّ نفيها فى التحقيق العسكرى والقضائى اللبنانى)، نعم هذه الأمور غير متعارف عليها بين الدول سوى على مستوى الاتصالات المدنية أو العسكرية أو الأبحاث أو حتى الطقس.. أمّا التصوير فهذا أمر جديد سنترك تحليل نتائجه بعد الكشف عن المعطيات الروسية.. وللبحث تتمة.
النص الأصلى: