تعمل يدان دون توقف على حياكة قطعة قماش من كرات صوف بألوان كثيرة. تخرج من بين اليدين أشكال وألوان كثيرة يصعب على أحيانا أن أفهم تدرجها فى القماشة نفسها. القماشة هى حياتى وقصصها وحلقاتها وتسلسل أحداثها. أتخيل التسلسل وهو يخرج من بين إبرتى حياكة، صوت الإبرتين «تك تك تك تك» وقصص تخرج فيها الملون والأبيض والأسود والإبرتان لا تتوقفان عن الحياكة.
•••
لا أعرف صاحب اليدين، من يحيك حياتى؟ هو سؤال لطالما شغل البشرية فسلم بعضنا أمرنا إلى الحائك أى الخالق وانشغل بعضنا الآخر فى محاولة الكشف عن صاحب أو صاحبة اليدين دون نجاح. لكل منا صاحب يدين تعملان بإبرتين دون توقف ودون أن نرى كرات الصوف عند القدمين. تخيلوا إذا أننا ننتقل دون إرادتنا من كرة صوف حمراء إلى صفراء إلى سوداء فرمادية ثم زرقاء وهكذا.
•••
أفكر بقطعة القماش المحبوكة التى تخرج من الإبرتين لأننى أحاول أن أتخيل نفسى وأنا أفك بعض السطور التى لم تعجبنى من القماشة لأعيد حبكها علنى أغير من ترتيب السطور. كأن أعود بحياتى سطرين مثلا وأدخل فى الحافلة التالية وليس فى تلك التى ركبت فيها بحسب الحبكة الأولى. فى الحافلة التالية، أى فى السطرين البديلين ألتقى بزميلة لم أرها منذ مدة فنتبادل حديثا عابرا بينما تمر معالم المدينة من أمامنا حتى أصل إلى جهتى فأنتبه أننى نسيت المفتاح. أفك خمسة سطور فأعود إلى مدخل البيت فى الصباح وآخذ المفتاح قبل أن أخرج من البيت.
•••
أنظر إلى قطعة القماش وأرى مساحة معقولة الطول ملونة تلت عدة سطور سوداء. أفك الألوان وأعود إلى السواد حين توفى أخى، أفك سطور غيابه وأعيد حبكة لا يرحل فيها فتظهر قماشتى ملونة دون موت، وأراه جزءا من حياتى وحياة أولادى اليوم.
•••
لو كان بإمكانى العودة إلى مراحل بعينها فى حياتى لأفكها وأعيد حبكها ماذا كنت سأغير؟ أظن أننى وغيرى كثيرون نمضى ساعات أو أياما فى محاولة الإجابة على أسئلة تبدأ بـ«ماذا لو؟» نطرحها ونعيد عقارب الساعة أحيانا لدقائق فقط باستطاعتها أن تغير مجرى حياة بأكملها. «ماذا لو» سؤال قاسٍ ويبدو أن المتصالحين من أنفسهم غالبا ما تصالحوا مع ما عاشوه وعدلوا عن محاولة الإجابة عن هذا السؤال.
•••
يقال إننا ننسج حياتنا بأيدينا، أو على الأقل نساهم بشكل كبير باختيار الأشكال التى تخرج من بين الإبرتين، كأن أقرر مثلا أن قوس قزح سيظهر فى هذا القسم من القماش أو شبح الموت. أو أننى سوف أدخل لونا داكنا يتماشى مع شعورى الكبير بالفراغ بعد أن رحل شخص أحبه. يعود اللون الداكن بين حينة وأخرى، إذ أظن أننى لم أتصالح مع موته قط وها هو السواد يعود أحيانا ليندس بين الوردى والأحمر.
•••
قصتى محبوكة عموما إنما ثمة سطور تفلت من السيطرة. كسطور صديقة قررت أن تسافر مع أمها لترفه عنها فقتل أمها حادث عنيف فى طريقهما إلى الشاطئ. هل باستطاعة صديقة أن تفك سطرا من الصوف لتعود إلى شقتها وتعدل عن فكرة السفر؟ قد تكون أمها معها اليوم.
•••
أنتظر لون سطر الصوف كل صباح لكنه يظهر فى المساء فقط، بعد أن يكون النهار قد مضى فأرى أن لونه كان داكنا أو فرحا. أتمنى كل يوم أن أعود بحياتى ساعات أغير هذا وذاك. هو نوع من جلد الذات المستمر لا أعرف كيف أتخلص منه فأعيد حبك هذه الساعة تحديدا ليتغير يومى.
•••
أقرأ كثيرا عن تمارين تسعى إلى إرساء حالة الرضا داخل النفس، أحاول أن ألتزم بالتمارين وآخذ ما أراه من أخطاء أرتكبها على أنها «عقدة» فى الحبكة يمكن تجاوزها دون فك سطور الصوف. أفشل طبعا فأنا بعيدة كل البعد عن تقبل الأمور كما هى وما زلت فى محاولة مستمرة من تغيير المسارات ولو قليلا.
•••
بصراحة، قد لا أغير الكثير إن كان باستطاعتى فك سطور قماشتى. بعض التصليحات هنا وهناك وأنا أعى أننى تعلمت منها وأقول بثقة أننى سأغيرها لأننى عشت صعوبتها. ربما لو أن مع فك السطور محوا للذاكرة فسوف أتصرف بالطريقة ذاتها! يعنى أننى أعرف الآن طريقة بديلة لم أعرفها حينها. هل أعود وأفك الصوف كمن يقتحم الشبكة الافتراضية بكلمة سر مسروقة ويغير البيانات؟
•••
«تك تك تك» تستمر الإبرتان بالحياكة ويستمر القماش بالظهور وتستمر مفاجأتى كل يوم بألوانه التى تعكس مزاجى وقصصى. ها هى حياة محبوكة أتعرف عليها كل يوم حتى لو أننى شخصيتها الرئيسية. قد تفلت بعض السطور من قبضة اليدين حين تتعبان وقد أتلهف لفكها لكنى لا أستطيع. هكذا حياتى محبوكة بينما لا أتوقف أنا يوما عن محاولة إعادة الحياكة. علنى أصل إلى الرضا يوما وأعترف أننى تعلمت من العقد فى الحبكة ما جعلنى أتصالح مع نفسى.