الوضع العمرانى الحالى يحتاج لإعادة نظر من حيث إن التعامل مع الوضع العمرانى بالتجزئة يفصله عن مجالات تأثره وتأثيره خاصة المجال الحيوى ويتفادى الفهم المنظوم المركب الذى ينتمى إليه العمران. لأن الفهم الميكانيكى المبسط المعتمد فى تنظيم وتخطيط مدننا والمدن فى البلاد الأخرى هو المسيطر ونحن متضررون من هذه السيطرة. ما يطرحه الفهم المنظومى المركب ببساطة هو أن عمراننا عبارة عن نظام (أو نظم) مركب مكون من أجزاء صغيرة عديدة للغاية ومترابطة معا (تخيل مثلا الخلايا العصبية فى الدماغ والروابط بينها) وفى هذه النظم عندما يتعرض جزء صغير منها للتغير أو الاضطراب أو التشوه فإنه يؤثر على النظام ككل (تخيل تغير طفيف فى درجات حرارة الليل أو النهار وتأثيرها على الزراعات المختلفة). تعانى البيئة المبنية التى نعيش فيها بشدة.. والاهتمام الأكبر يجب أن ينصب على تحويلها إلى بيئة مستدامة لا تستهلك كل الموارد المتاحة وتترك الأجيال القادمة فى معاناة شديدة ويستدعى هذا مراجعات شاملة تعتمد على فهم منظومة الماء والطعام والطاقة. كما تتطرق إلى منظومة التنقل ونوعية الهواء. كما يتطلب استدعاء أهداف التنمية المستدامة (ولمصر خطة خاصة بها فى هذا الإطار) والتى تنبنى على التعامل الجاد مع البيئة والموارد الطبيعية بصورة لا تنفصل عن الأنشطة الاقتصادية أو الأبعاد الاجتماعية. فى هذا الإطار المبنى على نظرية التركيب لا يمكن فصل فهم النطاق المحلى (جزيرة الوراق)عن النطاق الإقليمى للقاهرة الكبرى بل وحتى عن الإطار الأكبر الذى يشمل مصر والعالم.
ويتطلب هذا الفهم مثلا دراسة مفصلة للتأثير المرورى المتوقع على المناطق المحيطة وربما على أجزاء كبيرة من المدينة وهذا التأثير المرورى الذى فى العادة يتناول مدى مقدرة الطرق المجاورة على تحمل الكثافة المرورية المتولدة من التخطيط المقترح ولكن فى الحقيقة ما لا يتناوله فى العادة ربما أهم مثل تأثير التلوث الناتج عن الرحلات المرورية المتوقعة على نوعية الهواء فى المنطقة. وأيضا الضغط المتوقع على النظام المائى والذى هو أكبر وأكثر تركيبا من مجرد شبكات المياه والصرف الصحى والذى يصبح فى ظل ما نعانيه بعدا مهما فى فهم المقترحات.
فى المادة رقم 32 من الدستور الحالى: «موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها». وإقرار أن الجزر النيلية محميات طبيعية طبقا للقرار رقم 1969 لسنة 1999 من أجل حماية شريان النيل من التلوث. وأيضا من أجل حماية المظاهر الحيوية والطبيعية الموجودة. لاحظ مثلا أن بعض هذه الجزر مثل جزيرة الروضة وخاصة فى حوافها تحتضن بعضا من الطيور المهاجرة والكائنات الحية الأخرى وخاصة الطيور والتى لا تكاد تراها فى مناطق أخرى من المدينة.
هذا يعنى بصورة مباشرة أنها من الموارد الطبيعية المهمة الواجب الحفاظ عليها ولا أدرى مدى دستورية إخراج جزيرة الوراق وجزر أخرى من قائمة الجزر النيلية التى يتم اعتبارها كمحميات وهو سؤال يتناول حق جميع المواطنين فى الموارد الطبيعية والتزام الدولة بالحفاظ عليها.
لا نستطيع تجاهل سكان المكان حتى وإن كان الوضع القائم هو نتيجة لانسحاب الحكومة لعقود عديدة من التعامل الجدى مع احتياجات وحقوق المواطنين ليس فى جزيرة الوراق فقط ولكن فى مناطق عديدة من القاهرة ومصر.
لعلنا شعرنا فى الأسابيع الماضية بوطأة الحر فى هذا الصيف وإذا أضفنا إلى ذلك توقعات رئيس قسم التحاليل بهيئة الأرصاد الجوية بصيف أكثر حرارة مقارنة بالأعوام الماضية على الرغم من أن سطح الشمس لا يشهد نشاطا استثنائيا ربما نبدأ فى تبعات المستقبل القريب الذى يتوقعه العلماء فى ظل تغير المناخ. وربما نستدعى صيف عام 2015 عندما ضربتنا موجة حارة توفى على إثرها العشرات.
للمساعدة فى تلطيف هذه الحرارة المتوقعة يطالب العلماء بعمل ما يسمى بالغابات الحضرية والتى تعمل كماكينة تكييف طبيعية عملاقة تساعد فى التعامل مع الحرارة المتزايدة المتوقعة. وأين يمكن أن ننشأ تلك الغابات بحيث يكون لها أكبر أثر، هل نزيل مناطق عمرانية لنستبدلها بالأشجار أم نحول رقعة زراعية موجودة فى موقع متوسط ويحيط بها مئات الآلاف من البشر إن لم يكن ملايين. هل تتحول جزيرة الوراق والرقعة الزراعية إلى غابة خضراء يمكن أن يكون أغلبها ذا عائد آخر سواء من خلال الثمار المأكولة أو كتلك التى تنتج زيوتا ومنتجات عضوية أو أخشابا؟
هل ستعادل العائدات المتوقعة من التطوير المخطط لجزيرة الوراق حياة إنسان واحد يمكن إنقاذه؟ وما بالنا بحياة عشرات من البشر؟