نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب بتاريخ 23 أكتوبر تناول فيه التوتر المتصاعد للعلاقات الأمريكية ــ الصينية والمخاوف الغربية من تتويج شى جين بينج إمبراطورا على رأس الدولة والحزب الشيوعى الصينى.. نعرض من المقال ما يلى:وقوفا صفق المندوبون الحاضرون فى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى، عندما وصل الرئيس شى جين بينج فى خطاب الافتتاح إلى فقرة يؤكد فيها أن بكين لن تتخلى عن القوة كاحتمال لإعادة تايوان إلى البر الصينى.
فى ذروة التوتر فى العلاقات الصينية ــ الأمريكية حول تايوان، وفى ظل الحرب الروسية ــ الأوكرانية، واستفحال أزمة الطاقة فى العالم، وعلى وقع التجارب الصاروخية الباليستية الكورية الشمالية واستعداد بيونج يانج لتجربة نووية جديدة، ومناورات أمريكية ــ كورية جنوبية، أتى انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى الذى يتوقع أن ينتهى اليوم بالتجديد لشى جين بينج ولاية ثالثة على رأس الحزب، فى سابقة تجعل منه الزعيم الصينى الأكثر مكوثا فى السلطة منذ ماو تسى تونج. ليس الوضعان الإقليمى والدولى، هما فقط اللذان شكلا عاملا ضاغطا على ظروف انعقاد المؤتمر. إذ إن متاعب الصين فى وضع سياسة صفر كوفيدــ19 موضع التنفيذ والحفاظ على الوتيرة ذاتها للزخم الاقتصادى، لا تجرى بسلاسة بسبب الإغلاقات، التى فرضت على مدن كبرى تفشى فيها الوباء بأعداد كبيرة.
• • •
مع ذلك، تبقى عناوين السياسة الخارجية وفى مقدمتها العلاقة مع الولايات المتحدة، هى الأساس الذى تستند إليه الصين فى مواصلة الصعودين الاقتصادى والسياسى فى مواجهة دولية شرسة، اقتصادية وسياسية وعسكرية. وليس أدل على ذلك، من تعمد إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن نشر استراتيجية جديدة للأمن القومى قبل بضعة أيام من المؤتمر، تركز فيها على الصين بصفتها «المنافس الوحيد الذى لديه النية لإعادة تشكيل النظام الدولى، والذى يملك إمكانات متزايدة، اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا وتكنولوجيا، لفعل ذلك». وهذا ما يثبت أنه على رغم ما شكله الهجوم الروسى على أوكرانيا من اهتزاز للنظام الدولى القائم، فإن التفكير الأمريكى العميق يتجه صوب الصين، انطلاقا من واقع أن المسعى الروسى يمكن احتواؤه والتعامل معه كما تدل الوقائع حتى الآن بعد سبعة أشهر من الحرب، فى حين أن الأمور يمكن أن تتخذ اتجاها معاكسا إذا ما قررت بكين مساندة روسيا عسكريا واقتصاديا، أو إذا ما قررت فتح جبهة ثانية فى تايوان. ولن يكون من السهولة بمكان على أمريكا والغرب التعامل مع حربين فى وقت واحد. وقد يشكل ذلك تهديدا جديا لنظام القطب الواحد. انتهجت الصين منذ بدء النزاع الأوكرانى سياسة حذرة، لا هى باركت الحرب الروسية، ولا انضمت إلى العقوبات الغربية ضد موسكو، ولا تزال تدعو إلى سلوك طريق الدبلوماسية لحل الأزمة. وتدرك واشنطن أن مصير الحرب يتوقف على أى اتجاه يمكن أن تمضى فيه الصين. وهذا أمر يمكن أن يتبلور أكثر بعد أن يمتلك شى جين بينج التفويض الثالث من مؤتمر الحزب. الأمريكيون هم خير من يدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك. ولذا يواصلون إرسال إشارات متناقضة إلى الصين. هذا جو بايدن يتخلى عن الغموض الاستراتيجى بالنسبة للدفاع الأمريكى عن تايوان إذا ما هاجمتها الصين ويقول فى الوقت نفسه إنه راغب فى لقاء الرئيس الصينى فى منتجع بالى الإندونيسى الشهر المقبل على هامش قمة مجموعة العشرين. ويُستشف من المسار المتوتر للعلاقات الأمريكية ــ الصينية، أن لقاء بايدن وشى فى بالى لن يشكل فاتحة لخفض التصعيد، نظرا إلى التضارب الكبير فى رؤية كل منهما إلى الوضع فى المحيطين الهادئ والهندى وحتى إلى الوضع الدولى عموما. ولا يخفى الرئيس الصينى رؤيته لمستقبل تايوان، بينما هناك تخلٍ من قبل بايدن عن سياسة «صين واحدة» فى ضوء الدعم السياسى والعسكرى المتزايد الذى تقدمه الولايات المتحدة لتايبيه. وأكثر من مرة حذر الزعماء الصينيون من أن هذا الدعم قد يبعث بإشارة خاطئة إلى قادة تايوان لإعلان الاستقلال. قطعا للطريق على هذه الإشارات، أدخل مؤتمر الحزب «معارضة استقلال تايوان» بندا فى الدستور الصينى. ولا تعوز شى الدلائل على ذلك، من صياغة الولايات المتحدة للأحلاف الأمنية والشراكات الاقتصادية فى منطقة المحيطين الهادئ والهندى، وعبر نشر خمس حاملات للطائرات فى المنطقة، فضلا عن تكثيف التعاون العسكرى مع اليابان وأستراليا. وهذا حلف شمال الأطلسى يقرر فى عقيدته العسكرية التى تلت قمة مدريد فى يونيو مراقبة «التحدى المتصاعد» للصين. وكادت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى لتايوان فى أغسطس الماضى، تُفجر نزاعا عسكريا فى المنطقة. كما أن أمريكا تواصل التنديد وفرض العقوبات على الصين بسبب ما تراه انتهاكا صينيا لحقوق الإنسان فى إقليم شينجيانج حيث الأقلية الإيجورية، وكذلك بالنسبة إلى قانون «الوطنية» الذى أقرته بكين فى هونج كونج.
ينقل موقع «بوليتيكو» الأمريكى عن المدير السابق لشئون الصين فى مكتب وزير الدفاع الأمريكى بونى لين فى قراءة لخطاب شى جين بينج أمام المؤتمر: «اللافت للانتباه كم هى متشائمة الصين فى ما يتعلق بتقويم بيئتها الأمنية الشاملة، خصوصا بيئتها الخارجية. إن الكثير من الإجراءات التى تقول الصين إنها فى حاجة إليها، ترمى إلى إعداد سكانها لأزمات محلية وخارجية». ويضيف أن شى جين بينج لمح إلى هذا التشاؤم بإشارته إلى «محاولات خارجية لابتزاز واحتواء ومحاصرة وممارسة الضغط الأقصى على الصين».
• • •
من المؤكد أن الولاية الثالثة لشى جين بينج، ستزيد من عوامل القلق الأمريكى حيال الصين، وتدفع بإدارة بايدن إلى تصعيد الضغوط، وهى دائمة الشكوى من تزايد النزعة العسكرية الصينية منذ صعود الرجل إلى رأس هرم السلطة قبل عقدٍ من الآن، وتراقب عن كثب الموازنات العسكرية للصين وبناء قوة بحرية حديثة تشمل حاملات طائرات وإدخال إصلاحات على الجيش، وتعزيز قوة الردع النووى، فضلا عن الاتهامات المتكررة لبكين بممارسة سياسة «تنمر» على الدول المجاورة ومحاولة بسط الهيمنة على بحر الصين الجنوبى وبحر الصين الشرقى.
مع التركيز الأمريكى على آسيا بصفتها القوة الاقتصادية التى تفوق بأضعاف مضاعفة القوة الاقتصادية لأوروبا، من المحتمل أن تزداد المواجهة بين أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم، مع خشية لا تخفيها وسائل الإعلام الغربية مع تتويج المؤتمر العام للحزب الشيوعى لشى جين بينج «إمبراطورا» وليس رئيسا لولاية ثالثة فقط على رأس الدولة والحزب.
النص الاصلى
https://bit.ly/3gzrPAj.