عقلية المزلقان - سيف الدين عبدالفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 3 يناير 2025 2:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عقلية المزلقان

نشر فى : السبت 24 نوفمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 24 نوفمبر 2012 - 8:30 ص

صحونا فى صباح الأحد على أخبار شديدة الخطورة تذكرنا بالمزلقان، لتكشف النقاب عن خطة النظام البائد فى الاستهانة بحياة الناس ومعاشهم، وخطة النظام ورئيسه المخلوع فى التعامل مع الكوارث، والتعامل مع الانتصارات حتى لو كانت كروية فى عبارة الموت التى طمست أحداثها من أجل احتفالات بكأس إفريقيا، وهنا لم يطلق الرئيس المخلوع كلمة عن عبارة الموت الغارقة، وسارت العبارات بعد ذلك تتراوح بين القضاء والقدر، والإشارة إلى حدث يفسد فرحتنا وغير ذلك من عبارات خطيرة المبنى، باهتة المعنى، تدلس على كل مغزى.

 

الحدث يتعلق بمزلقان المندرة بمنفلوط بمحافظة أسيوط، وإجمالى طول شبكة سكك حديد مصر، 9570 كيلومترا، وإجمالى عدد المحطات 705 محطات رئيسية وفرعية ومتوسطة منها 22 محطة رئيسية، و59 محطة مركزية، و60 محطة متوسطة، و564 محطة صغيرة.

 

●●●

 

حادثة أسيوط المؤلمة ليست الأولى من نوعها فى مصر وتأتى مشكلة المزلقانات كعنوان أول فى هذه الحوادث، حتى ارتبطت تلك الحوادث بثقافة المزلقان والعقلية التى تحكمه، نعدد بعض مؤشراتها:

 

المزلقان وثقافة الإهمال: الأمر المؤكد أن أحداث المزلقانات تجمع بين ثقافة الاهمال وعدم الاحساس بالمسئولية وعدم تقدير العواقب‏، وكذلك عدم تقدير ما يترتب على كل ذلك من نتائج وحوادث ليصل بمعظمها إلى دائرة الكوارث‏، ومعاناة المجتمع من الإهمال واللامبالاة معاناة شديدة حيث قد لا نرى الإهمال ذاته ولكن نرى نتائجه تهز المجتمع كله فى خطاب يجتر الشجون والأحزان.

 

المزلقان وثقافة التهاون: ومن كثرة الإهمال وكثرة حوادثه والتعود عليها أصبح معظم الناس لا يتابعون أحداثها لمعرفة أسبابها الحقيقية، ومن شدة الاهمال والتسيب واللامبالاة افتقد الكثير من أفراد المجتمع ثقافة المسئولية وثقافة الوقاية وهى ثقافات عندما يتم افتقادها يصبح المجتمع كله فى خطر‏، كما أن عدم المحاسبة الشديدة لمرتكبيها يحرض على الإهمال والتراخى والتسيب.

 

المزلقان وثقافة الغفلة والتغافل والإغفال: ومن الظواهر المؤسفة عدم استخلاص الدروس المستفادة من الحوادث والكوارث فتتكرر نفس الحوادث بنفس الأسباب ولعديد المرات‏.

 

المزلقان والخطاب المكرور والمهدور وثقافة فائض الكلام: المدهش فى المسألة أن الحوادث‏..‏ رغم تكرارها بالصورة نفسها منذ عشرات السنين، إلا أن القوم مازالوا يرددون الكلمات ذاتها‏..‏ وربما بحصر اللفظ دونما تغيير..‏ كما وهم يعرضون حلولا، والتى هى فى الواقع ليست أبدا بحلول.. بل هى مجرد كلام أجوف وشقشقات لفظية.

 

●●●

 

ثقافة الكسل والعقول النائمة: كلنا خفراء مزلقان ننام عن مسئوليتنا، خفير المزلقان فى منفلوط غلبه النوم، كلنا يحاكى الغفير فى علاقته بمزلقانه، أقصد فى عمله؟، أو يؤدى دوره؟.

 

ثقافة التضارب وفقدان التنسيق: عدد المزلقانات التى تقطع سكك حديد مصر 1373 مزلقانا، وجميعها يحتاج إلى تطوير، التطوير فى المرحلة الأولى يشمل 345 مزلقانا لم يتم منها سوى 149 فقط لعدة أسباب على رأسها عدم تعاون المحليات ووزارة الرى، وأخيرا وزارة الداخلية ممثلة فى ادارات المرور بالمحافظات، حيث تعترض على إغلاق المزلقانات وقت تطويرها بحجة أن هذا الاغلاق يتسبب فى اختناقات مرورية ويظل الأمر على ما هو عليه فى غياب التنسيق وسيادة حال العشوائية...

 

ثقافة الوهم: كشفت مصادر التحقيق بعد حادثة من الحوادث وفق مستندات رسمية تشير إلى أن الهيئة العامة لسكك حديد مصر أنفقت 5 ملايين و667 ألف جنيه، تحت بند تطوير المزلقانات فى المناطق المركزية، والصعيد وغرب الدلتا، فى الوقت الذى أكد عمال المزلقانات وقتها إنها لاتزال على حالها، وإن التطوير مجرد وهم.

 

 ثقافة النسيان (اللى فات مات): وقد شهدت مصر حوادث قطارات عديدة فى الآونة الأخيرة، ولكن بعد كل حادث يقع نسمع الشجب والإدانة وبعدها بأيام ننسى وكأنه لم يحدث شىء.

 

ثقافة العشوائية: أن العشوائية  هى التى تفرض سيطرتها على مزلقانات مصر، ومن ثم صعوبة تحكم العامل فى حركة المارة والسيارات معا، بالإضافة إلى قرب المزلقان من مواقف الميكروباصات، مما يؤدى إلى وقوع العشرات من الحوادث، خاصة أن أغلب المارة لا يلتزم بالوقوف عند سماع أجراس السيمافور، التى تسبق قدوم القطار بدقائق معدودة. وكذلك فبمجرد تحرك القطار يقوم المراقب بالمحطة بالاتصال بعامل المزلقان، ليخبره بتحرك القطار ليقوم بفتح المزلقان أو إغلاقه، ولكن هذا قد لا يحدث لسبب أو لآخر، وكثيرا ما يجد القطار نفسه أمام سيارة أو مواطنين والمزلقان مفتوح، ويتسبب هذا أيضا فى موت الكثير من الأشخاص.

 

 ●●●

 

فقدان ثقافة الصيانة: إن تعطل معظم الإشارات الضوئية والكهربائية والسيمافورات التى تشير إلى اقتراب القطار من شريط المزلقان وتعطل الأبراج، هو ما يساعد على وقوع العديد من الحوادث.

 

ثقافة عالبركة: أن المزلقانات الموجودة فى مصر معظمها تم إنشاؤها بشكل غير قانونى، ولابد من توافر شروط معينة بها، أهمها  خدمة الأماكن ذات الكثافة العالية، وأن تكون الطرق حولها مرصوفة، وحوادث المزلقانات، إما بسبب سائقى السيارات الذين لا يلتزمون بإشارة إغلاق المزلقان، أو بسبب إهمال عامل المزلقان.

 

ثقافة تدنى الخدمات: كما كشفت أيضا الكارثة عن تدنى الخدمة الصحية ونقص الأدوية والأجهزة بالمستشفيات فمطالب توفير الأدوية سبق وطالب بها الأطباء أنفسهم فى إضرابهم الأخير حتى تجسد الإهمال فى حادث منفلوط وعجز المستشفى فى أسيوط عن إنقاذ الضحايا بسبب نقص الأدوية والإمكانيات!!

 

ثقافة كبش الفداء: عامل المزلقان كبش فداء جاهز للحكومة ومعرض للسجن لسبب أكبر من صلاحياته، فالمزلقان الذى يعمل عليه غير مجهز بأى وسيلة لمنع الناس من عبوره أثناء مرور القطار وهو يستعين بنفسه وبعض المواطنين بالنداء على الناس وأصحاب السيارات بالوقوف حتى يعبر القطار ورغم ذلك يمرون وكأن حياتهم رخيصة لا تهمهم!!

 

ثقافة حلول التمرير: يتحدث المسئولون عن تنفيذ خطة لتطوير مزلقانات السكة الحديد على مستوى الجمهورية لتعمل بأحدث وسائل التقنية الحديثة وتهدف لزيادة عنصر الأمان وتشديد الرقابة للحد من الحوادث، حرصا على حياة المواطنين من دون وضع خطط التنفيذ، ويكون ذلك بمناسبة كل حادث أو كارثة.

 

 ●●●

 

ثقافة الأداء الباهت وبطء القرار: أخطر ما فى ثقافة عقلية المزلقان، يكمن فى الأداء الباهت الذى تقوم به الأجهزة التنفيذية والتى تحاول مواجهة الكارثة ببطء فى القرار لا يتحمله الحال خاصة حينما تزهق أرواح بريئة مثل أطفال المندرة، وبعد ثورة نجد الأداء يتم فى صندوق سياسات النظام القديم، فيتحدثون عن ذات التعويضات، ويقوم كل مسئول بالإزاحة عن نفسه والإحالة على غيره فى المسئولية، ولا تلحظ هذه الأجزة أنها تحاكى ذات الأساليب على عهد مبارك المخلوع لتمرير الكارثة من دون عمل حقيقى، يعبر عن نفسه مختطا رؤية وفعلا جديدا لا يسعى لتمرير الحدث ولكن لاتخاذ سياسات زمنية تضمن عدم تكرار الحدث أو الكارثة، خطة مزلقانية من دون إبطاء تتوافر فيها الأموال من كل طريق للشروع فى عمل جاد ممنهج ومجدول يجعلها من الأولويات لأن الأرواح تزهق فى لحظات من جراء ثقافة عقلية المزلقان، وأخطر شىء أن تنتقل ثقافة المزلقان إلى ممارسة سياسية مزلقانية تحاكى ثقافة المزلقان فى معايبها، وأهمها ألا يتأخر القرار عن وقت الحاجة إليه، فالقرار ابن وقته، إن فات زمنه فات أثره، توقيت القرار ليس فى عالم المزلقانات فحسب هو بداية طريق قويم لتفادى المزلقانات السياسية..

 

فهل وصلت الرسالة لكل من يهمه الأمر.

 

 

سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات