الحائر يبحث عن الإجابات الواضحة المباشرة الصريحة فى جغرافيا وتاريخ لا يعرف معنى الصراحة بل على العكس هو زمن المواربة خلف الشعارات الرنانة أو حتى باسم القيم الانسانية النقية أو باسم الدين.. هى أسئلة الحاضر الصعبة بل هى ربما أسئلة القادم الأكثر قسوة؟ ربما.. ولا يملك الإجابة عليها احد..
السائل لا يريد أن يعرف الإجابة إلا اذا كانت على هواه هو أو هى. أما المسئول فهو الحائر الآخر لا يعرف الإجابة حتى لو اعتصر كل خلايا الدماغ أو ربما لو قرأ البحر من العلم المترامى بين اصابع يديه بمجرد ضغطة صغيرة على الكى بورد والتجوال فى محيطات تلك الشبكة أو الوقوف على سفوح جبال جوجل محرك البحث القادر على الإجابة على كل الأسئلة حتما.. إلا أنه وحتى جوجل عجز عن الاجابة عن الأسئلة المتكررة فى شوارع وأزقة العرب.
●●●
الأسئلة مغمسة فى دم الخوف القادم، فى اللحظة الحالية الأكثر صعوبة ليس سياسيا فقط بل ثقافيا وفكريا وحضاريا وربما انسانيا.. يبحث العربى عن الخط الفاصل هناك ذاك المصطنع جدا إلا انه اليوم يخاف أن يغفو لسويعات فيفيق على خطوط جديدة متعرجة فوق جسده تشبه ذاك الجدار الملتف حول المدن والقرى.. تخيفه عناوين الأخبار والصحف وثرثرات الليل الطويل وصرخات المهددين فى ساحات الجوامع.. هو خائف من شىء يعرفه كثيرا فتاريخه مطرز بالخطوط المتعرجة التى رسمها ذاك الانجليزى وصاحبه الفرنسى قبل سنين طويلة.. اصبح الاسمان مرادفين للرياح والعواصف القادمة.. اصبحا يمثلان كل ما هو قبيح للعربى الجالس فى خيمته منتظر سحابا ومطرا يسقى الأرض العطشى.
تزيد الأسئلة من زحمة الايام وتطارد السائل والمسئول ثم تصطف فى حروف فوق صفحات الصحف اليومية الصباحية منها والمسائية.. لا إجابات شافية ولا نسمة ترطب الأجواء شديدة السخونة. كلما ارتفعت درجات الحرارة كلما ضاق الصبر بالأسئلة العالقة بين اللحظة والأخرى تلك المتحولة والراكدة منها.. حين عجز المفكرون والمثقفون والمتعلمون عن الإجابة إلا بالكلام الملعثم ازدادت حيرة رجل الشارع فهو الآخر كان يتوهم أنهم، أى من أطلقوا عليهم تعريف النخبة، قادرون على الإجابة عن كل الأسئلة بل عارفون بالقادم لهم ومستعدون له بالعدة والعداد!!! ولكنه فى هذا العد التنازلى نحو الحدث يكتشف أن النخبة حائرة مثله، ضائعة، مفككة، متشرذمة، منقسمة.. بل ازداد خوفه عندما اصبحت هى من يطلق الأسئلة المتلاحقة وهى من يطلق الصرخة ويكثر من البكاء والعويل.
●●●
يرقد السؤال فى سكون الإجابة المنتظرة حتى تصبح اللحظة ثقيلة كالحجر على القلب وتطارد الاشباح والاوهام السائل والمجيب ويبقى الترقب هو سيد الأيام القادمة يضحك إلى حد القهقهة على النائمين وقوفا وحراكا، الباحثون فى سلة مهملات الكون عن مخرج مريح لهذه اللحظة الثقيلة، فيما بعضهم يحمل اوراقه وينتقل من غرفة اجتماعات الى أخرى حيث اكواب الشاى المتكدسة وفناجين القهوة وورق كثير واجهزة الكمبيوتر المحمول ودخان السجائر.. يوصد هؤلاء الابواب فتبقى الكاميرات عالقة متربصة لأية تسريبة أو فجوة فى جدار الصمت الصاخب.. فيما هم مجتمعون ضاق الهواء بالسؤال وتطايرت الكلمات الواقفة عند حافة القبر وراح بعضهم يردد لنتحرك فى الحركة بركة وكفى.. فى القديم قالوا الحركة بركة ولم يعرفوا الحركة ولم يفصلوها ربما عليهم أن يعيدوا المثل الى قائله ليندس فى خيمته ويعيد الصياغة لتكون أن ليس كل حركة بركة بل بعض الصمت عمل وبعض وقوف المتربص والمتفحص إجابة وبعض التأمل والاستفادة من التجارب وكثير من الابتكار.. أسئلة القلق لا تزال تطاردهم ونحن معهم فى حيرة من أيام قد لا تأتى إلا بعد حين!
كاتبة من البحرين