المصالحة الفلسطينية.. الوساطة الصينية.. والافتراضات القديمة - قضايا فلسطينية - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصالحة الفلسطينية.. الوساطة الصينية.. والافتراضات القديمة

نشر فى : الخميس 25 يوليه 2024 - 6:40 م | آخر تحديث : الخميس 25 يوليه 2024 - 6:40 م

التثاؤب المعتاد الذى يعترى الفلسطينيين، عادةً، عندما يسمعون أخبار محادثات المصالحة بين السلطة الفلسطينية و«حماس»، تغير قليلًا يوم الإثنين الماضى. إذ نُشر بيان مشترك للتنظيمين الفلسطينيين اللذين يعتزمان إجراء محادثات فى الصين. لا أحد هنا يشعر بالتفاؤل الذى يمكن أن يصل إلى حد الاعتقاد أن هذه المحادثات العقيمة، المستمرة منذ نحو عشرين عاما، ستحقق انعطافة تاريخية الآن، لكن هناك فضولًا يتنامى، استنادا إلى نقطتين استثنائيتين، هما: الصيغة الحادة للبيان المختصر الذى وقّعه 14 فصيلًا فلسطينيًا، على رأسهم «حماس» و«فتح»، والدور المركزى للصين، التى كان تدخّلها فى الشأن الفلسطينى والمفاوضات محدودًا جدًا، حتى الآن.

لقد كان البيان الموجز قاسيًا، مقارنةً بكل ما نُشر فى إطار مشاريع المصالحة التى لا يمكن إحصاؤها على مر السنين. إذ يؤكد البيان على الاستعداد لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، استنادًا إلى القرار رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة (عودة اللاجئين)، من دون أى ذكر لحدود الدولة العتيدة، وعلاقاتها بإسرائيل (التى تصفها الوثيقة بـ «العدو الصهيونى»)، إلى جانب الحاجة إلى الالتزام بالاتفاقيات السياسية، وهى قضية كانت محط خلاف بين السلطة و«حماس» فى الماضى. إلى جانب ذلك، كال البيان المديح لكل أشكال المقاومة ضد «الاحتلال»، وشدد على ضرورة تأليف حكومة وحدة وطنية تحكم القطاع أيضًا فى «اليوم التالى للحرب».

لقد انطوى هذا البيان على التقاء لمصالح ثلاثية. فالسلطة التى مثلتها حركة «فتح»، يبدو أن مصلحتها فى كبح الانتقادات الدولية، وهى تعانى جرّاء تدنٍّ شديد فى شعبيتها، مقارنةً بحركة «حماس» التى تقود النظام الفلسطينى فى الوقت الراهن. لقد باتت هذه السلطة بحاجة إلى حدث المصالحة، كوسيلة لترسيخ شرعيتها الداخلية، وضمان مقعدها فى إطار المناقشات بشأن «اليوم التالى للحرب».

«حماس» أيضا بحاجة إلى هذا التحرك لأسباب مماثلة. فالمصالحة تجعلها ذات دلالة أكبر وكلاعب رئيسى فى «اليوم التالى»، وتبعد عنها صورة الطرف المستبعد الذى يجب القضاء عليه، حسبما تعلن إسرائيل. فضلا عن أن هذا الحدث يعزز شرعية «حماس» داخليا، لأنه يصورها تعمل على رأب الصدع الداخلى، وهى قضية وطنية مؤلمة جدا للشعب الفلسطينى. وكل ذلك، طبعًا، من دون أن ترخى «حماس» قبضتها المتشبثة بالقطاع. ستوافق «حماس»، فى أفضل الحالات، على وجود حكومة رمزية، بينما ستواصل، من خلف الكواليس، إحكام سيطرتها على جميع مجالات الحياة هناك.

أمّا ثالثة الأثافى، وأهمها فى مثلث المصالح هذا، فهى الصين، التى تسعى جاهدةً لتعزيز قوتها فى الشرق الأوسط، فى الوقت الذى تراقب، برضى، أفول نجم الولايات المتحدة فى الإقليم، كما تبدّى فى انسحابها من العراق وأفغانستان، وامتناعها عن اعتماد سياسات عسكرية صارمة ضد إيران، وعلاقاتها المشحونة بدول عربية. قبل نحو عام، حصدت الصين نجاحًا ملهمًا فى المصالحة التى روّجتها بين إيران والسعودية، فى الوقت الذى تربطها بدول الإقليم علاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية. النفط على رأس هذه الاهتمامات، بالإضافة إلى الموانئ والكنوز الطبيعية الضرورية للاقتصاد الصينى.

فى الوقت الحالى، على الأقل، لا توجد توقعات تفيد بقرب تطبيق قرارات البيان سريعا، وخصوصا فيما يتعلق بإقامة حكومة وحدة وطنية، وذلك بسبب العداء والتشكيك العميق القائم بين كلٍّ من «فتح» و«حماس». ومع ذلك، على إسرائيل أن تكون حذرة ويقِظة حيال قضيتين تتجسدان فى هذا التطور. الأولى: احتمال أن يُعتبر هذا الحدث جذابًا فى نظر المجتمع الدولى، التواق إلى العثور على أى حل للمواجهة فى غزة، وخصوصًا إذا جرى تقديمه على أساس أن السلطة الفلسطينية هى التى تقوده، فمن شأن هذه الخطوة أن تُعرض كفكرة قابلة للتطبيق، وأن تؤدى إلى تحويل الضغط الدولى فى اتجاه إسرائيل، وهذا قد يترافق مع مطالب بوقف الحرب، والسماح للسلطة بالعمل فى القطاع، وهو ما سيتيح استمرار وجود وتأثير «حماس». السبب الثانى الباعث على القلق يتمثل فى ازدياد التدخل الصينى فى الإقليم. فالصين جهة تُظهر تبنّيها مواقف مؤيدة للجانب الفلسطينى بشكل واضح، إلى جانب تحفظات عميقة بشأن إسرائيل، وهى تسعى لترسيخ نفسها كبديل عن الهيمنة الأمريكية فى الإقليم.

سيتعين على إسرائيل وضع حد للادعاءات التى سيتم تناقُلها على الحلبة الدولية (ومن جانب جهات إسرائيلية محلية)، ومفادها أن المصالحة تجسّد إمكان تحقيق استقرار فى النظام الفلسطينى، وتعزيز السلطة، وربما تَمَأسُس «حماس» وتحولها إلى الاعتدال. إن كل مقولة من هذه المقولات السابقة تعانى جرّاء سوء فهم للواقع، ولا تزال غارقة فى الافتراضات الخاطئة التى سادت إسرائيل قبل السابع من أكتوبر.

يتعين على إسرائيل، فى المرحلة الحالية، بذل جهد يوضح طبيعة «حماس» غير القابلة للتغيير، وعدم معقولية تحوّلها إلى جزء من نظام مستقبلى فلسطينى. أيضًا على إسرائيل أن توضح أنها، حتى لو سعت للتوصل إلى صفقة مع «حماس» عمّا قريب، فإن إسرائيل لا تعتزم إنهاء نضالها الطويل الأمد، الهادف إلى اجتثاث هذا التنظيم. فى المقابل، يجب على إسرائيل البحث عن طرق أُخرى من أجل تحويل السلطة عن مسار المصالحة السلبى هذا، ولهذا الغرض، عليها النظر فى وقف الإجراءات العقابية الاقتصادية ضد السلطة، بل ربما تبادر إلى حوار سياسى أولى بين الطرفين. ويجب أن يتم ذلك كله بحكمة تقول إن السلطة، على الرغم من كونها عنصرا إشكاليا، فإن بقاءها أفضل كثيرًا من الفوضى التى سيخلّفها غيابها عن الميدان، كما أن بقاء السلطة أفضل كثيرًا من اضطرار إسرائيل إلى حُكم الضفة الغربية حكمًا عسكريًا مباشرًا، فضلًا عن أن السلطة، بكل تأكيد، أفضل كثيرًا من خيار هيمنة «حماس» على الضفة الغربية.

 ميخائيل ميلشتاين

يديعوت أحرونوت

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

قضايا فلسطينية قضايا فلسطينية
التعليقات